تغطية حقوق الإنسان في انتشار رغم مقاومة الحكومات
بقلم محمد عبد الدايم وروبرت ماهوني
لقد ظلت وسائل الإعلام في الشرق الأوسط مغرمة بالانتفاضة. فقد كانت الصحافة العربية والفارسية تورد انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة في أواخر عقد الثمانينات بتفاصيلها. كما كانت الحكومات التي كانت تمتلك وسائل الإعلام تلك أو تتحكم بها مغرمة بذلك أيضاً. أما محطات التلفزة الفضائية العربية التي أخذت بالظهور في عقد التسعينات فقد كانت تعرض ساعات من الأشرطة المصورة التي تظهر جنوداً إسرائيليين ومستوطنين يهود يقمعون الفلسطينيين.
ولكن لم يمض وقت طويل حتى أخذ الصحفيون العرب في استخدام مهاراتهم الصحفية المشحوذة حديثاً ضد قادتهم السياسيين. فيقول موسى الريماوي، مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية: “قبل قيام السلطة الفلسطينية في عام 1993، كان الصحفيون الفلسطينيون يكتبون عن الانتهاكات المرتكبة على يد الإسرائيليين، ولكنهم بعد عام 1993 أخذوا يكتبون أيضاً عن الانتهاكات التي ترتكبها السلطة الفلسطينية. ولقد لاحظنا الاتجاه نفسه في الوطن العربي حيث أخذ الصحفيون يكتبون بوتيرة أكبر عن هذه القضايا في أوطانهم، ولا سيما مع تزايد أهمية منظمات حقوق الإنسان والإعلام العابر للحدود القومية”.
وهكذا تهافتت الجماهير المتعطشة للأخبار من جميع أنحاء المنطقة على مشاهدة القنوات الجديدة وعلى رأسها قناة الجزيرة التي تملكها قطر، تلك الإمارة الصغيرة. وكان من أسباب نجاح هذه المحطة في اجتذاب المشاهدين تغطيتها للقضايا الاجتماعية والسياسية التي ما كانت محطات التلفزة الوطنية في الدول العربية الكبرى مثل مصر والمغرب والجزائر لتتناولها أبداً. تقول نزيهة رجيبة وهي صحفية تونسية محلية حائزة على جائزة حرية الصحافة الدولية لعام 2009 التي تمنحها لجنة حماية الصحفيين: “في تونس، علم الناس بانتهاكات حقوق الإنسان في المقام الأول من خلال المحطات التلفزيونية الفضائية ولا سيما قناة الجزيرة، والتي كانت بالنسبة للكثير من التونسيين بمثابة نفحة هواء طلق”.
ومع ذلك ظلت التغطية الصحفية لحقوق الإنسان خارج إطار القضية الفلسطينية تستأثر بحيز ضئيل من وسائل البث الإعلامي والمطبوعات، إلى أن جاءت شبكة الإنترنت. فما فتئت الثورة الرقمية التي بدأت في أواخر التسعينات من العقد الماضي تُغيِّر إلى يومنا هذا أساليب الحصول على الأخبار وبثها في العالم العربي حيث يفوق عدد الأنظمة الديكتاتورية نظيرتها الديمقراطية بكثير. وتشهد صحافة الإنترنت والمدونات ازدهاراً في الفترة الحالية. وأصبح العديد من المواضيع التي كان محرماً تناولها ذات مرة مثل انتهاكات حقوق الإنسان تحظى بتغطية تفصيلية لم يسبق لها مثيل من قبل جيش من الصحفيين المحترفيين و”المواطنين الصحفيين” في منطقة تشهد نمواً هو الأسرع عالمياً على صعيد انتشار الإنترنت.
لقد غافلت الوتيرة السريعة لهذا التغير العديد من الحكومات. إلا إن الزعماء الذين يعتمدون على التحكم في المعلومات من أجل البقاء سياسياً قد وعوا ذلك وأخذوا يلجأون إلى التكنولوجيا لفرض رقابة على شبكة الإنترنت وترشيح محتواها. وإذا ما فشل مسعاهم في ذلك، فإنهم يلجأون إلى المضايقة والاعتداءات والحبس. وفي العام الماضي أو نحوه، قاومت الحكومات المراسلين المستقلين والمدونين، ولكن الصحفيين يعتقدون أن التكنولوجيا على المدى البعيد سوف تجعل الوقوف أمام المد المعلوماتي أمراً مستحيلاً على الأنظمة باستثناء تلك الأنظمة الأكثر استبداداً.
لقد تجاهل التيار الإعلامي السائد في مصر على مدى العقود الماضية أمر تغطية حقوق الإنسان. ولكن في عام 2006، أخذ المدونان محمد خالد ووائل عباس بنشر لقطات مصورة تظهر وحشية رجال الشرطة. وقال محمد خالد للجنة حماية الصحفيين: “ما إن شاهد الناس هذه اللقطات، شعروا بحاجة لمعرفة المزيد. فقد كانت المشاهد مقنعة ولم تترك مجالاً للشك في أن التعذيب كان يحدث داخل مراكز الشرطة عندنا”. ولقد كبرت القصة لدرجة أن الكثير من وسائل الإعلام المطبوع والمبثوث قامت بتغطيتها في نهاية المطاف.
أما الصحفية نهى عاطف والتي تدير موقع “التعذيب في مصر” (TortureInEgypt)، وهو موقع إلكتروني ينشر تقارير عن الانتهاكات المرتكبة في مراكز الشرطة والسجون في مصر، فإنها تُرجع الفضل إلى شبكة الإنترنت في إيصال تغطية حقوق الإنسان لجمهور عريض، إذ تقول نهى للجنة حماية الصحفيين بإن “التقارير التي كان يعلوها الغبار على الرفوف أخذ الآلاف من الناس يقرؤنها الآن. فلم يكن بمقدورك دفع الناس لقراءة هذا النوع من المواضيع قبل سنوات، حتى وإن طبعتها ووزعتها بالمجان. ولكن الأمر مختلف على شبكة الإنترنت إذ إن الناس يجدونها في المدونات أو المواقع الإخبارية التي يفضلون قراءتها وها هم يقرؤونها بالفعل. وهكذا غدا هذا الموضوع مقروءاً على نطاق واسع”.
أما التيار الذي ساد سابقاً فقد أخذ يتغير أيضاً، حيث تضيف نهى: “أحصل حالياً على قصص كثيرة من الصحف، في حين كان علي قبل بضع سنوات أن أعتمد على تقارير منظمات حقوق الإنسان بشكل حصري تقريباً”.
لقد شهد المغرب أيضاً ارتفاعاً في مستوى التغطية الإعلامية لحقوق الإنسان. ففي عام 2002، التقطت الصحافة قصة محمد آيت سي رحال الذي ضُرب حتى الموت في أحد مراكز الشرطة في مراكش بعد أن ألقي القبض عليه إثر مشادة مع أحد السكان المحليين وهو في زيارة إلى المغرب قادماً من مكان إقامته في فرنسا. ولقد غطت الصحف بلا هوادة المعركة القانونية التي خاضتها أسرته على مدار ثلاث سنوات من أجل تقديم ضابط الشرطة المسؤول إلى العدالة. وفي إطار محاكمة محمد خربوش، فقد تأجل النطق بالحكم 15 مرة، ولكنه أُدين في نهاية المطاف في عام 2007 بفضل كثافة التغطية الإعلامية. ويواجه محمد خربوش المطلق سراحه على ذمة الاستئناف حكماً بالسجن يصل إلى 10 سنوات.
وازدادت شهية وسائل الإعلام المغربية لقضايا حقوق الإنسان عندما شرعت لجنة لتقصي الحقائق بالبحث في انتهاكات ارتكبت إبان عهد الملك الحسن الثاني في الأعوام 1961-1999. وعلى الرغم من أن جلسات الاستماع التي عقدتها هيئة الإنصاف والمصالحة انتهت في عام 2005، إلا إن الصحافة المستقلة واصلت تغطيتها للانتهاكات – تلك التي حدثت في عهد الحسن الثاني وفي عهد خلفه محمد السادس كذلك.
أما في البحرين، فقد أتاح تبدل نظام الحكم فرصة أمام الصحافة للتوسع في تغطيتها لحقوق الإنسان. فعندما اعتلى حمد بن عيسى آل خليفة السلطة في 1999، أعاد إرساء الكثير من الحريات المدنية إضافة إلى إعادة إحياء البرلمان الذي كان قد أوقف نشاطه قبلها بثلاثين عاماً، وذلك في محاولة منه لمعالجة مظالم الأغلبية الشيعية في البلاد المحكومة من قبل السنة. ففي مستهل الأمر، قامت وسائل الإعلام بتغطية إصلاحات الحكومة بإذعان إلا إن الصحفيين الذين زادت جرأتهم أخذوا لاحقاً بالكتابة عن المعارضة والتوترات السياسية المتنامية والاضطرابات الشيعية.
وعندما أصدرت محكمة الجنايات العليا في البحرين أحكاما بالسجن على 11 رجلاً في شهر تموز/ يوليو 2008 بعد إدانتهم بتهمة الشغب في أواخر عام 2007، استنكرت وسائل الإعلام عدم مراعاة الأصول القانونية في العملية. وفي خطوة نادرة، نشرت وسائل الإعلام بيانات أصدرها محامو الدفاع وعائلات المتهمين يدّعون فيها بأن اعتقال المتهمين كان لمجرد حضورهم تجمعاً سلمياً للحداد على موت علي جاسم مكي الذي لقي حتفه أثناء مظاهرة قبل ذلك بأيام. ويقضي الرجال الأحد عشر حالياً أحكام السجن في حين لا تزال قضيتهم قيد النظر أمام محكمة الاستئناف.
كما غطت عدة صحف بحرينية ولا سيما صحيفة الوسط اليومية ما غدا يُعرف بفضيحة بندر غيت وهي مؤامرة سياسية مزعومة خطط لها مسؤولون حكوميون في البحرين بهدف تأجيج الصراع وزيادة تهميش الطائفة الشيعية. ولقد تم الكشف عن هذه المزاعم في أيلول/ سبتمبر 2006 في تقرير أعده مركز الخليج للتنمية الديمقراطية في 240 صفحة (أطلقت الصحافة على هذه الفضيحة اسم بندر غيت على اسم مؤلف التقرير صلاح البندر).
يقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي تتخذ من القاهرة مقراً لها في حديثه إلى لجنة حماية الصحفيين: “شهد العقد الماضي زيادة ملحوظة في حجم ونوعية التغطية الإعلامية لانتهاكات حقوق الإنسان وجهود نشطاء حقوق الإنسان المحليين. ولقد بدأت هذه التغطية في معظمها على شبكة الإنترنت، إلا إننا وفي الوقت الراهن نجد هذا النوع من التغطية في الصحافة المطبوعة أيضاً”. ففي مصر على سبيل المثال، تكرس صحيفة “الدستور” صفحة كاملة كل يوم أربعاء لتغطية أخبار المجتمع المدني وحقوق الإنسان. كما تخصص صحيفة “نهضة مصر” اليومية المستقلة صفحة كاملة للموضوع نفسه كل يوم، في حين تخصص صحيفة “المال” نصف صفحة يومياً لتغطية ما يتعلق بحقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد يقول عبد العزيز النويضي وهو محام متخصص في مجال حقوق الإنسان ورئيس جمعية “عدالة” المغربية لحقوق الإنسان في حديثه إلى لجنة حماية الصحفيين: “لقد رفع هذا النوع من الصحافة الوعي لدى العامة وهو يلعب دوراً إيجابياً”. وكان لهذا النوع من الصحافة في بعض الحالات نتائج إيجابية أيضاً. ففي مصر، حُكم على النقيب في جهاز الشرطة إسلام نبيه والعريف رضا فتحي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 بالسجن لمدة ثلاث سنوات لقيامهما بتعذيب رجل في الحجز وهتك عرضه. وفي إيران وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي جرت في حزيران/ يونيو 2009، أقر رئيس جهاز الشرطة الجنرال إسماعيل أحمدي مقدم بتعذيب معتقلين في الحجز وذلك بعد أن عرضت منشورات عديدة على شبكة الإنترنت وفي مقدمتها “نوروز” و “سهام نيوز” تقارير موثوقة تبين حالات اغتصاب للمحتجزين وإساءة معاملتهم. كما أمر المرشد الأعلى علي خامنئي بإغلاق سجن كاهريزاك عقب وفاة اثنين من المحتجزين هناك، حيث لقيت وفاتهما تغطية إعلامية مكثفة.
تشهد المنطقة بروز جيل جديد من الصحفيين الرافضين للعمل كظلال شاحبة في الصحف الحكومية اليومية الباهتة أو كأبواق لنشر الدعاية الرسمية على موجات الإذاعة والتلفاز. فلقد أظهرت دراسة مسحية أجرتها الجامعة الأمريكية في القاهرة في عام 2008 وشملت 600 صحفي من 13 بلد عربي أن معظم من شملتهم الدراسة يؤمنون بأن مهمتهم الأساسية تتمثل في دفع عجلة الإصلاح قدماً.
يقول المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة لورنس بينتاك للجنة حماية الصحفيين: “خمسة وسبعون في المائة من الصحفيين يقولون إن أولويتهم الأساسية هي التغيير السياسي والاجتماعي”. ويضيف بينتاك الذي يشغل حالياً منصب العميد المؤسس لكلية إدوارد ر. مورو للإعلام في جامعة ولاية واشنطن: “بوسعك أن ترى ذلك يتبلور من خلال التغطية الأكثر جرأة لقضايا حقوق الإنسان سواءً أكانت التغطية في فلسطين من قبل أحد الصحفيين البحرينيين أم في مصر من قبل صحفيين مصريين”.
لقد قاد هذا التركيز المتزايد على حقوق الإنسان إلى رد فعل عنيف من طرف الأنظمة التي تستخدم وسائل الإعلام الودودة مع حكوماتها لمهاجمة الصحفيين ووسائل الإعلام. وفي هذا السياق، يشير المدافع الحقوقي جمال عيد أن صحيفة “روز اليوسف” اليومية المصرية “تخصص خمس صفحات يومياً لمهاجمة الصحفيين والمنشورات ومنظمات المجتمع المدني المعنية باجراء تحقيقات حول حقوق الإنسان وتغطيتها إعلامياً”. وفي تونس، تعكف وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية المملوكة للحكومة بانتظام على وصف الصحفيين الذي يشكلون خطورة ويكتبون عن الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة بأنهم “عملاء للغرب” و”خونة”.
أما المغرب فقد لجأ إلى نظام قضائي مسيس بغية تكميم الصحافة. ففي عام 2008، رفع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تديره الدولة دعوى قضائية ضد صحيفة “الجريدة الأولى” اليومية في محاولة لمنعها من نشر شهادة علنية صادرة من هيئة الإنصاف والمصالحة. وفي حزيران/ يونيو 2008، أمرت محكمة في الرباط “الجريدة الأولى” بالتوقف عن نشر شهادات الضحايا، إلا إن الصحيفة استأنفت الحكم فيما واصلت نشر مقتطفات تصف حالات التعذيب والقتل والاختفاء القسري. وفي أواخر العام نفسه، أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر في القضية.
وفي البحرين، تعرض صحفيون لملاحقة قضائية بسبب تغطيتهم لحقوق الإنسان، حيث جرت محاكمة الصحفية في صحيفة “الوسط” مريم الشروقي لكتابتها مقالاً عن التمييز الديني المزعوم في ممارسات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية. وقد رد القاضي عنها التهم الأكثر خطورة إلا إنه أمر بتغريمها. وعلى نحو مماثل، رفعت السلطات القضائية دعوى ضد الصحفية لميس ضيف بعد نشرها سلسلة تحقيقات صحفية تتناول قضاة محكمة الأسرة وأحكامهم. وفي هذا الصدد، يقول رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب للجنة حماية الصحفيين: “لقد أوجدت الحكومة ثقافة الخوف بين الصحفيين وكتاب الأعمدة. أما المراسلون القلائل الذين يجرؤون على الكتابة عن حقوق الإنسان فيتعرضون للتهميش والتهديدات وكثيراً ما يخضعون لملاحقات قضائية”.
وفي حين يتحمل المدونون والنشطاء العبء الأكبر من الهجوم الحكومي المضاد، فإن كافة الصحفيين يشعرون بضغط تلك الهجمات أيضاً. فقد قامت عدة بلدان ومنها مصر وتونس والمغرب والمملكة العربية السعودية واليمن في بعض الأحيان بتعليق عمليات القنوات الإخبارية الفضائية، وخاصة قناة الجزيرة، بسبب قيامها بتسليط الضوء على قضايا حساسة في مجال حقوق الإنسان أو قضايا سياسية أو دينية.
يقول مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن مارك لينش: “لقد كان هناك في الواقع تغطية أكبر لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية قبل بضع سنوات. ولكن الحكومات والأنظمة قامت على مدار العام الماضي أو نحوه بالرد بقسوة. كما كان لحالة القمع العام الممارس ضد وسائل الإعلام وحملات التضييق على النضال الديمقراطي في جميع أنحاء المنطقة أثر سلبي على التغطية الإعلامية لحقوق الإنسان”. ويرى لينش، المعروف في المنطقة بمدونته التي تحمل اسم “أبو خنزير الأرض”، بأن القنوات الفضائية قد غدت أقل جرأة في تغطيتها مؤخراً.
ويختلف مع هذا الطرح مذيع قناة الجزيرة محمد كريشان فيقول للجنة حماية الصحفيين: “كلا، لم تتبدل سياستنا التحريرية. فنحن نغطي قضايا حقوق الإنسان كلما برزت. وهي تشكل جزءاً بارزاً من الأخبار التي نبثها، ولكنها لا تمثل مجمل تغطيتنا. فنحن مؤسسة إخبارية ولسنا جماعة حقوق إنسان، وتغطيتنا تعكس هذا الواقع”.
ويقول لورنس بينتاك والذي عمل أيضاً مراسلاً لشبكة سي بي أس في الشرق الأوسط: “ما يجري الآن هو أن الحكومات تحاول بتردد وارتباك أن تتكيف مع هذا المشهد الجديد. ففي مصر تعكف الحكومة على التكيف من خلال السماح بتأسيس صحف شبه مستقلة جديدة بينما تضغط في الوقت نفسه على مديري أقسام الأخبار الجارية في القنوات الفضائية عندما يسهبون في تجاوز الحد”.
وثمة توافق في الآراء بين الصحفيين والأكاديميين الذين قابلتهم لجنة حماية الصحفيين مفاده أن أي انحدار في المنحنى التصاعدي لتغطية حقوق الإنسان هو انحدار مؤقت ليس إلا. فليس بمقدور بلدان المنطقة أن تحجب المعلومات القادمة من العالم الخارجي. ولأن الكثير من هذه الدول قد تبنت خيار التجارة مع دول أخرى، فإنها بحاجة إلى تبني الإنترنت كذلك. يوجد في هذه الدول أغلبية ساحقة من السكان الشباب ممن يتنامى اتصالهم بشبكة الإنترنت ويتزايد وعيهم بالحريات التي يتمتع بها نظراؤهم في بقاع أخرى من العالم.
ويضيف بينتاك: “هذا عالم يختلف جداً عما كان عليه الوضع في عقد التسعينات من القرن الماضي، إذ لم تعد الحكومات قادرة على التحكم كليةً بفحوى التغطية الإخبارية. فقد يكون بمقدورها التضييق على المؤسسات الإخبارية، وحبس الصحفيين، ومضايقة محرري الأخبار، ولكنها لا تستطيع أن توقف تدفق المعلومات”.