عند الحديث عن سلامة الصحفيين فإن من أول الأشياء التي ستخطر في البال غالباً هو اتخاذ تدابير أمنية معينة من قبيل تعبئة نموذج تقييم المخاطر أو إنهاء دورة تدريبية للتوعية بالبيئة المعادية (HEFAT) أو استخدام معدات الوقاية الشخصية. غير أن قدرتك على الاحتفاظ بالدراية التامة بالموقف وابتعادك مسبقاً عن طريق الأذى هو من أهم التدابير الأمنية التي تندرج ضمن مجموعة أدوات الصحفي.
لقد أُعد هذا الدليل كي يرجع إليه الصحفيون والمحررون عند تخطيط المهمات وتغطية الأحداث. تابعوا القراءة لتعرفوا المزيد عن المقصود بالدراية التامة بالموقف وسبب أهميتها والطريقة الأمثل لاستخدامها أثناء تغطيتكم للأحداث. للحصول على مزيد من المعلومات حول التغطية الآمنة للاحتجاجات، يرجى مشاهدة فيديوهات السلامة من لجنة حماية الصحفيين.
ما المقصود بالدراية التامة بالموقف وما سبب أهميتها؟
تعني عبارة “الدراية التامة بالموقف” أن تكون واعياً بما يحدث من حولك والكيفية التي سيؤثر بها عليك، أو يمكن أن يؤثر بها عليك، وما هو الشيء التالي الذي يُحتمل حدوثه.
إن انتباهك لكل ما يحيط بك هو الأساس الذي يستند إليه صنعك للقرار الحكيم؛ فهو يتيح لك التعرف على الأنماط واتخاذ الإجراء الصحيح للحصول على النتيجة المرجوة أو الإجراء الوقائي لتجنب النتائج السلبية.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت ستغطي تظاهرة فمن المفترض أن تحدد في تقييم المخاطر الذي تجريه الموضع الذي يمكن أن ينبثق عنه تهديد ما، وما هي خطتك للهرب منه. ولكن عند انغماسك في عملية التغطية أو التسجيل أو التصوير فقد يصبح من السهل أن تغفل عن ملاحظة مخاطر محتملة أثناء تبلورها على أرض الواقع.
إذا شاهدت علامات تدل على أن مظاهرة ما أخذت تتجه نحو العنف وكنت تعلم أن الشرطة ستستخدم، على الأرجح، الغاز المسيل للدموع كإجراء للسيطرة على الحشود، فكن واعياً لاتجاه الريح كي تعيد التموضع حسب ما يقتضيه ذلك. وينطبق الأمر نفسه إذا كنت ستقوم بالتغطية من منطقة لها سوابق من حيث المشاعر أو السلوكيات المعادية الصحافة من قبل ميليشيات محلية، إذ ينبغي أن يكون تقييمك للمخاطر قد تضمن معلومات عن هوية تلك الجهات الفاعلة وما هي قدراتها ونمط سلوكها، وكيفية التعرف عليها، هذا بالإضافة إلى فهمك للقيود والقوانين المحلية المتعلقة بحمل الأسلحة. وعند وصولك إلى أرض الحدث، كن متيقظاً لما يدور من حولك وما هو رد فعل الناس هناك على تواجدك. وأبقِ عينيك مفتوحتين لملاحظة أية إشارات تدل على أنك تحت المراقبة الفعلية كأن يكون هناك من يتعقبك أو أشخاص ينظرون إليك وهم يستخدمون هواتفهم المحمولة (فربما أنهم يتحدثون عنك ويبلغون عن تحركاتك) أو أي أشخاص بشكل عام يظهر عليهم اهتمام غير عادي بك. وإذا شعرت بعدم الأمان أو اعتقدت بأنك أمام خطر وشيك فاتصل بدوائر إنفاذ القانون.
إن الكلام عن الإقرار بالخطر وردة الفعل تجاهه هو، بلا شك، أسهل من تنفيذه.
ما هي المستويات المختلفة للدراية بالموقف؟
من المستحيل أن تظل متفطناً وواعياً للبيئة المحيطة بك طوال الوقت، وسوف تمر بك مستويات مختلفة من التأهب اعتماداً على السياق. لقد قسَّم جيف كووبر، وهو من قدامى المحاربين في سلاح مشاة البحرية الأمريكية، المستويات المختلفة للدراية بالموقف إلى أربعة مراحل ورمز لكل منها بلون محدد ابتداءً بالأبيض وانتهاء بالأحمر، ولكنه قام لاحقاً بزيادة عدد المستويات بإضافة مستوى خامس رمز له باللون الأسود.
- يمثل اللون الأبيض مرحلة الاسترخاء أو انصراف الذهن حيث يكون حِسُّ الحماية عندك ملغى وتكون غافلاً تماماً عمايدور في محيطك وغير مستعد للتصرف. وتعدُّ هذه الوضعية خطيرة أثناء تأديتك للمهمة.
- أما اللون الأصفر فيعني أنك مسترخٍ ولكنك منتبه للبيئة المحيطة بك وتقوم بمسحها للكشف عن أية أخطار محتملة وأنك مستعد لاتخاذ إجراء إذا اقتضى الأمر. ويجب أن يكون هذا المستوى هو مستوى اليقظة الأساسي لك وخصوصاً في البيئات غير المألوفة لك.
- ويعني اللون البرتقالي أنك حددت خطراً محتملاً وصرت تركز تفكيرك واهتمامك وبت َّجاهزاً للتصرف
- ويعني اللون الأحمر أنك في طور الاستجابة الفعلية لتهديد ما، حيث يكون كل اهتمامك منصباً على طارئ محدد. ولكن هذا يزيد من خطر قلة انتباهك للتهديدات الثانوية.
- أما الأسود فيعني أنك مصاب بالذعر وعدم القدرة على الحركة وأنك عاجز عن اتخاذ إي إجراء. وتعد هذه أخطر حالة لأنها تمثل انهياراً في أدائك الجسدي والعقلي.
متى يكون التحلي بمستوى عالٍ من الدراية التامة بالموقف أمراً مهماً؟
لا تكون الدراية التامة بالموقف مهمة فقط في حالات تغطيتك للأحداث من بيئات معادية مثل مناطق النزاع أو البيئات التي تشهد أحوالاً جوية متطرفة، بل هي مهمة أياً كانت طبيعة التغطية، بما في ذلك التغطية من مواقع التظاهر أو حتى من مسرح جريمة.
- عندما تكون في مهمة، يجب عليك أن تظل دائماً في مستوى اليقظة الأصفر، أي أن تكون يقظاً ومدركاً لما يحيط بك. وهذا المستوى يعني أنك منتبه جيداً لكل ما يحدث من حولك حتى لا تؤخذ على حين غرة.
- اعمل دائماً على رفع مستوى الدراية بالموقف إلى درجة أشد عندما تعتقد أن سلامتك الشخصية قد تتعرض للخطر. ويتمثل ذلك بكل بساطة في إجراءات من قبيل إلقاء نظرة كاشفة سريعة عبر مرايا السيارة قبل نزولك منها أو تفقد الشارع المار أمام منزلك لملاحظة أية علامات تشير إلى أنك مراقب أو إلى أي تهديد وشيك قد يستهدفك.
- وعندما تستشعر أي خطر زائد أو حتى أي تغيير في الوضع، تصرف على نحو متبصر. فكِّر فيما إذا كان هذا التغيير أو الخطر الزائد يشكل خطراً عليك، وما إذا كان يتوجب عليك تفاديه (مثلاً: عن طريق إعادة التموضع) وأعد تقييم استراتيجيتك للخروج؛ إذ قد تجد أن الوقت قد حان للمغادرة أو الاقتراب أكثر من مسار الخروج. لا تأخذ التغير في مستوى الخطر على محمل البساطة.
كيف تطبق الدراية التامة بالموقف؟
- احتفظ دائماً بمستوى أساسي من اليقظة والانتباه؛ فإن لم تكن منتبهاً فلن تكون جاهزاً للتعامل مع أي طارئ أو تغيير غير متوقع في البيئة التي تحيط بك، فمن المرجح حينها أن تجتاحك موجة أدرنالين ترسلك مباشرة إلى المرحلة السوداء فتنتابك الصدمة والهلع. لذلك، تجنب، أو قلل من، الشواغل التي قد تلهيك أو تشتت انتباهك– وخاصة مكالمات الهاتف المحمول- أثناء المهمة. وتنبَّه لحالتك إذا ما لاحظت أنك تنزلق نحو المرحلة البيضاء/ السهو.
- تجنب التهديدات قدر الإمكان. إذا كنت في المرحلة البرتقالية أو الحمراء، فانتبه لموقعك وحاول الانتقال إلى مكان أكثر أماناً.
- اذهب لمهمتك مستعداً. فتسلحك بالمعرفة السياقية سيعزز كثيراً من قدرتك على تحليل البيئة التي تتواجد فيها والتنبؤ بما سيحدث: ما هي تضاريس المكان؟ أين توجد مسارات الهروب والمواقع التي تتمتع بالميزة التكتيكية؟ من هي الجهات الفاعلة على الأرض وكيف يمكنك تمييزها وما هي الطريقة التي من المرجح أن تتصرف بها؟ وما هي العلامات المبكرة على تدهور الوضع؟
- تجنب العمل لوحدك. فوجود صحفيين آخرين وأفراد الطاقم حولك يتيح لك دراية تامة بالموقف بزاوية 360 درجة. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في المرحلتين البرتقالية والحمراء عندما يكون تركيزك منحصراً في التهديد الماثل أمامك بينما يبقى أفراد الطاقم متأهبين في كافة الاتجاهات.
- اصقل مهاراتك. درب نفسك على الانتقال بين مختلف حالات اليقظة وعلى إجراء مسح لمحيطك من قبيل الأشخاص الآخرين المتواجدين في المطعم أو السيارات التي تسير خلفك أثناء توجهك إلى العمل.
- ثق دائماً بإحساسك الداخلي. أصغ إلى غريزتك وأخرج من أي وضع إن لم تشعر بالارتياح إزاءه.
ما هي التحديات التي تقف في طريق التمسك بالدراية التامة بالموقف؟
أكبر تحدٍ قد تواجهه الدراية التامة بالموقف هو دخول دماغك في نمط التهاون.
يستهلك النشاط الدماغي المطلوب للحفاظ على حالة الدراية التامة بالموقف قدراً كبيراً من الطاقة، مما يجعلها أمراً متعباً في حين أن دماغك يحاول بشكل افتراضي الحفاظ على مخزونه من الطاقة. فإذا لم يكن هناك خطر مباشر محدد فإن الدماغ سيتحول تلقائياً إلى نمط الاسترخاء العقلي الذي تتطلب المحافظة عليه قدراً أقل من الطاقة.
وإليكم بعض الأمثلة الشائعة التي قد تفضي إلى فقدان الدراية التامة بالموقف عندما يكون الصحفي في مهمة:
- عندما تتواجد في موقع تذهب إليه بصورة منتظمة ولديك قناعة بأنه آمن. قد يكون ذلك حدثاً تحضره منذ عدة أيام (كاحتجاج مثلاً) حيث كنت متيقظاً بشكل زائد للمخاطر في بدايته ولكن ومع مرور الوقت وعدم بروز أي تهديد اقتنع دماغك بالعودة إلى نمط التهاون.
- عندما تشعر بالإعياء الشديد وقد استنزفت مستويات طاقتك في نهاية يوم حافل.
- عندما تشعر بالضغط، إذا كنت مثلاً تحاول الوفاء بموعد نهائي لإنجاز العمل.
حدد لحظات الانكشاف والضعف هذه وكن متنبهاً للطرق المختصرة التي يحاول دماغك سلوكها.
قم دائماً بتفعيل حالة التأهب العقلي لدماغك وأجرِ مسحاً لبيئتك للتعرف على أية تهديدات محتملة. وحتى لو كنت تنفذ المهمة نفسها للمرة المئة، اطرح على نفسك السؤال التالي: “هل يوجد أي شيء جديد هنا من شأنه أن يشكل تهديداً لي؟”
في النهاية، نقول إن أقوى أداة تملكها لحماية نفسك هي عقلك.
يمكن للصحفيين الذين يريدون طلب المساعدة التواصل مع لجنة حماية الصحفيين عبر العنوان emergencies@cpj.org.
يوجد لدى قسم حالات الطوارئ في لجنة حماية الصحفيين معلومات عن الجاهزية الأساسية أو عن تقييم المخاطر والاستجابة لها أو حول تدابير السلامة عند تغطية النزاعات والاضطرابات الأهلية. كذلك يمكن للصحفيين الاطلاع على مزيد من معلومات السلامة هنـا.