يشكل الفلسطينيون ما نسبته 90% من الصحفيين والموظفين الإعلاميين الذين قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي والمسجلين في قاعدة بيانات “لجنة حماية الصحفيين”. (أما الـ 10% الباقون فكانوا من الصحفيين الأجانب، ولم يقتل أي صحفي إسرائيلي). وتعبّر هذه الأرقام بشكل جزئي عن اتجاهات عامة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؛ فعلى امتداد الأعوام الخمسة عشر الماضية فاق عدد القتلى الفلسطينيين عدد القتلى الإسرائيليين بـ 21 ضعفاً، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وتُعبّر هذه الأرقام أيضاً عن حجم المخاطر الماثلة في الأماكن التي يستطيع الفلسطينيون التغطية فيها، فثمة قيود صارمة على حركة تنقل الفلسطينيين؛ إذ لا يستطيعون السفر بين غزة –التي تهيمن إسرائيل على أجوائها ومياهها الإقليمية ومعظم المعابر البرية إليها– والضفة الغربية المحتلة، دون الحصول على تصريح من الجيش الإسرائيلي. كذلك يجب أن يحصل الفلسطينيون من غزة والضفة الغربية على تصريح من الجيش الإسرائيلي إذا ما أرادوا دخول إسرائيل والقدس الشرقية. أما الفلسطينيون في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل في خطوة غير معترف بها دولياً، فإنهم يتمتعون بقدر أكبر من حرية التنقل ولكنهم يحتاجون إلى تصاريح من الجيش الإسرائيلي لدخول غزة شأنهم شأن كل مقيم خارج غزة. وذكر المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية، الذي ينسق بين الحكومة والصحفيين، لـ”لجنة حماية الصحفيين” إنه يدعم طلبات الصحفيين الفلسطينيين لتغطية الأخبار داخل غزة.
وبحكم النتيجة التي أفضت إليها هذه القيود، باتت تغطية الصحفيين الفلسطينيين تقتصر إلى حد كبير على التغطية في الأماكن التي يقيمون فيها – وهي الأماكن التي تمثل في أغلب الأحيان مسارح العنف الرئيسية. وفي الغالب، يتواجد هؤلاء مبكراً في المشهد لتغطية العمليات العسكرية الإسرائيلية في بلداتهم ومدنهم وهم بالتالي أول من يرى بأم عينه ويسمع الأحداث التي سرعان ما تصبح أخباراً عالمية.
ويقول الصحفيون الفلسطينيون العاملون في الميدان لـ”لجنة حماية الصحفيين” إن نظرة الجنود الإسرائيليين للصحفيين الفلسطينيين تؤدي هي الأخرى دوراً في تقويض سلامتهم، “فهم لا يعتبرون الصحفيين الفلسطينيين صحفيين، بل ينظرون إلينا بنفس نظرتهم للمتظاهرين الفلسطينيين ويستهدفوننا كما يستهدفونهم”، على حد تعبير المراسل الفلسطيني لقناة “رؤيا” الأردنية، حافظ أبو صبرا.
وتتناقض هذه المعاملة تناقضاً حاداً مع الطريقة التي يتعامل بها الجيش مع الصحفيين الإسرائيليين، إذ يمكن لهؤلاء التنسيق مع الجيش من أجل الذهاب إلى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية رغم أنها مناطق لا يستطيع المواطنون الإسرائيليون عادة الوصول إليها. وقال إيمانويل فابيان، المراسل العسكري في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إن “الجيش يعرف مجموعة الصحفيين الذين يغطون العمليات العسكرية ويعرف متى يصطحبهم. كما يمُنع الصحفيون الإسرائيليون من دخول غزة، شأنهم شأن كافة المواطنين الإسرائيليين.
وتقول الصحفية أميرة هاس من صحيفة “هآرتس” التي تغطي التطورات باستمرار من دخل المناطق الفلسطينية، إن معظم الصحف الإسرائيلية لا تقدم صورة كاملة عن حياة الفلسطينيين في ظل القيود الإسرائيلية، بل تركز بالمقابل على الزاوية العسكرية للأمور. وأضافت إنّ “وسائل الإعلام الرئيسية في إسرائيل لا تغطي الاحتلال، في الحقيقة”. وبصورة عامة، لا توفر الصحف الفلسطينية هي الأخرى تغطية معمقة للحياة الإسرائيلية ولكنها تغطي شؤون السياسة الإسرائيلية عن طريق ترجمة ما يُنشر في الصحافة الإسرائيلية.
وأما الصحفيون الأجانب فهُم الصحفيون المكلفون بمهمة عبور الخطوط الفاصلة بين الطرفين. وعند حصولهم على تصريح المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية، يتمكنون من تغطية الأحداث داخل إسرائيل والضفة الغربية وغزة – وهم يواجهون مخاطر في عملهم هذا. وتقول مراسلة صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، بيثان ماكيرنان، لـ”لجنة حماية الصحفيين”: “يمكننا بشكل أساسي الذهاب إلى أي مكان نريده، وأعتقد أن سهولة الوصول إلى المكان تغطي أحياناً على حقيقة كونه مكاناً خطيراً جداً للعمل. إنه مكان لا يمكن التنبؤ به، فالعنف قد يندلع على نحو غير متوقع في أية لحظة”.