بعد مرور اثني عشر شهراً على سيطرة حركة طالبان على السلطة، بات العديد من الصحفيين الأفغان بلا عمل أو هاربين. وثمة صحفيون آخرون يحاولون، وبحذر شديد، تحدي أصحاب النفوذ
ترِد إلى بريدي الإلكتروني رسائل كثيرة تُبرز الإجهاد الشديد الذي حل بوسائل الإعلام الأفغانية المستقلة منذ أن فرضت حركة طالبان سيطرتها على السلطة في كابول في 15 آب/ أغسطس من العام الماضي—كما ترد رسائل شبيهة عديدة إلى زملائي في لجنة حماية الصحفيين—وبصفة شبه يومية.
تأتي هذه الرسائل من صحفيين كانوا يعملون قبل سنة في الصحف ووسائل البث الأفغانية المزدهرة والحرة آنذاك. ويتحدث بعض الصحفيين في رسائلهم عن قصص تعرض الصحفيين للاحتجاز والضرب على يد عناصر حركة طالبان، بينما يكتب بعضهم تفاصيل معاناتهم من الفقر المدقع. والعديد منهم متلهفون لمغادرة أفغانستان وينشدون المساعدة. مع ذلك ثمة صحفيون آخرون يكتبون ليقولوا إنهم تمكنوا من مغادرة البلد، إلا أنهم عالقون في أماكن من قبيل باكستان أو تركيا لأن تأشيرات السفر التي بحوزتهم هي تأشيرات مؤقتة. وإذ تنضب النقود التي بحوزتهم، وغالباً لا يتمكنون من الحصول على تأشيرات سفر لمواصلة رحلتهم—ترفض الحكومة الأمريكية أكثر من 90 بالمئة من طلبات الأفغان الساعين إلى دخول الولايات المتحدة لأسباب إنسانية—فإنهم يخشون من إعادتهم إلى الوطن لمواجهة مصير غامض.
وما هذه المناشدات سوى مؤشر واحد على الأزمة التي حلت بوسائل الإعلام الأفغانية المتنوعة والمستقلة منذ أعادت حركة طالبان سيطرتها على أفغانستان وسط انسحاب القوات الأمريكية في العام الماضي. مع ذلك فإنها توثّق أيضاً صمود الصحفيين وعزمهم إذ يدركون أهمية التغطية الصحفية القائمة على الحقائق. ويظل العديد من صحفيي البلد عازمين على مواصلة العمل—من داخل البلد وخارجه على حدٍ سواء—آملين بأن وسائل الإعلام الأفغانية المستقلة ستواصل أداء دور حيوي.
وكما هو مفصّل في سلسلة المقالات هذه التي تنشرها لجنة حماية الصحفيين بمناسبة مرور عام على سيطرة حركة طالبان على السلطة، فإن التحديات التي يواجهها الصحفيون الأفغان هي تحديات شديدة، وتتراوح بين تعرضهم للإساءات البدنية والرقابة إلى قيود محددة فُرضت على النساء. إلا أن بعض الصحفيين يرون بصيصاً من الفرص. فالحرب التي دمرت البلد لمدة طويلة—وجعلت مناطق عديدة غير قابلة للدخول إليها—قد انتهت، في الوقت الحالي على الأقل. وثمة قصص جديدة يمكنهم سردها وتغطيتها، وثمة نظام جديد يجب إخضاعه للمساءلة.
عمل محفوف بالخطر
يُعد الإعلام الأفغاني الحر قصة نجاح نادرة للنظام السابق، ولكن حتى في ذلك العهد، كان العمل الصحفي محفوفاً بالمخاطر، فغالباً ما كانت الأطراف المتنافسة—بما في ذلك عملاء جهاز المخابرات الحكومي، وحركة طالبان، وتنظيم الدولة الإسلامية—تستهدف الصحفيين. وتقول الصحفية كاثي غانون، التي عملت في أفغانستان لأكثر من ثلاثة عقود مع وكالة ’أسوشيتد برس‘، “كانت فترة السنة أو السنة ونصف التي سبقت سيطرة حركة طالبان على السلطة خطيرة بصفة خاصة على الصحفيين، وما كان بوسع المرء أن يعرف مَن يستهدف مَن، وكانت الأطراف المختلفة توجه اللوم إلى بعضها البعض”.
وعلى سبيل المثال، ثمة لغز لم يُحل لغاية الآن بشأن هوية الجماعة التي اغتالت الصحفي رحمة الله نكزاد في عام 2020، وهو صحفي مستقل ساهم بمواد لوسائل إعلام دولية، أو هوية الجماعة التي زرعت قنبلة في حزيران/ يونيو 2021 في سيارة الصحفية الإخبارية مينا خيري التي تبلغ من العمر 23 عاماً وكانت تعمل في وكالة ’أريانا نيوز‘، مما أدى إلى مقتلها.
قُتل حوالي 53 صحفياً في أفغانستان منذ عام 2001 حتى الآن لأسباب مرتبطة بعملهم؛ ومن بينهم 27 صحفياً ذهبوا ضحية اغتيالات، أي تم استهدافهم عمداً بالقتل، وفقاً لبيانات لجنة حماية الصحفيين. ومن بين هذه الجرائم الـ 27، حقق الادعاء العام أحكام إدانة بخصوص مقتل أربعة من الصحفيين القتلى منذ عام 2001.
وبسبب هذا السجل المزري، احتلت أفغانستان المرتبة الخامسة على آخر مؤشر للإفلات من العقاب نشرته لجنة حماية الصحفيين، والذي يقيس البلدان ذات السجل الأسوأ في السعي لتحقيق العدالة في حالات قتل الصحفيين. ولحسن الحظ، لم توثق لجنة حماية الصحفيين أي حالات اغتيال إضافية ضد صحفيين على يد حركة طالبان لغاية الآن منذ أن فرضت الحركة سيطرتها على السلطة في أواسط آب/ أغسطس من العام الماضي. ووجد تقرير أصدرته الأمم المتحدة مؤخراً أن ستة صحفيين توفوا خلال الفترة بين 15 آب/ أغسطس 2021 و15 حزيران/ يونيو 2022، وأفاد التقرير أن خمسة منهم قُتلوا على يد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – إقليم خرسان؛ وقتل صحفي واحد على يد جناة مجهولي الهوية. (ولم تجد لجنة حماية الصحفيين أدلة تشير إلى أن مقتلهم كان مرتبطاً بعملهم كصحفيين).
توجّهات مثيرة للقلق
ثمة استطلاعات جرت ونُشرت خلال السنة الماضية وفي ظل ظروف صعبة وخرجت بتفاصيل متفاوتة، إلا أنها تُظهر توجهات مثيرة للقلق: فهناك انحدار كبير في عدد الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية وغير ذلك من مصادر الأنباء، إضافة إلى انهيار في عدد النساء العاملات في الصحافة.
وكان الخوف هو ما دفع إلى هذا الانحدار، فقد فرضت حركة طالبان ضغوطاً، وأحيانا بعنف، على وسائل الإعلام لتمتثل إلى مذهبها الأصولي. وعلى سبيل المثال، احتجز مقاتلو طالبان مراسلين من صحيفة ’إيتيلاتروز‘ وضربوهم بشدة بينما كانوا يغطون تظاهرات في الشوارع في أيلول/ سبتمبر 2021، حسبما أوردت لجنة حماية الصحفيين آنذاك. كما حضر عناصر من حركة طالبان إلى مكاتب الصحيفة وحذروا العاملين من استخدام أي لغة ناقدة أو مصطلحات غير مقبولة—مثلاً قول “جماعة طالبان” بدلاً من الاسم المفضل للحركة، وهو “إمارة أفغانستان الإسلامية”.
وقال إلياس ناوندش، محرر موقع صحيفة ’إيتيلاتروز‘، أثناء مهرجان دولي للصحافة جرى في نيسان/ أبريل، “يتعين عليك أن تؤيد حركة طالبان وإلا ستقوم الحركة بإغلاق مكاتبك”. وقد استقال بعض العاملين في الصحيفة، بينما ينتشر قسم كبير من العاملين المتبقين بين ألبانيا وإسبانيا والولايات المتحدة. أما الذين ظلوا في أفغانستان، فهم يعملون بالخفاء، حسبما أفاد ناوندش، وتسعى الصحيفة إلى مساعدتهم على مغادرة البلد.
تختص صحيفة ’إيتيلاتروز‘ بالتغطية الصحفية الاستقصائية، وقد دفعتها سيطرة حركة طالبان على السلطة إلى التوقف عن طباعة أعدادها والتحول إلى النشر على شبكة الإنترنت حصرياً. وقد خسرت الشركة إيرادات الإعلانات والاشتراكات، والتي تحتاجها لمواصلة عمليات الطبع.
وفي الواقع، أدى التراجع الشديد في اقتصاد أفغانستان إلى حرمان جميع وسائل الإعلام من إيرادات الإعلانات وغيرها من مصادر الدخل. ويقول سعد محسني، المدير العام لمجموعة ’موبي‘ التي تملك أكبر شبكة لوسائل البث الإخبارية والترفيهية في أفغانستان، وهما وكالة ’طلوع نيوز‘ تلفزيون ’طلوع تي في‘، واصفاً تراجع الاقتصاد الأفغاني، “إنه أكثر من كارثي”.
وفي الفترة التي سبقت فرض حركة طالبان سيطرتها على البلد، بلغت حصة المساعدات الأجنبية في اقتصاد البلد 45 بالمئة، وفقاً للبنك الدولي، وزهاء 75 بالمئة من الإنفاق الحكومي. وقد شهدت هذه التدفقات النقدية الأجنبية توقفاً مفاجئاً في آب/ أغسطس الماضي. وفي الوقت نفسه، أصدر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمراً تنفيذياً بمصادرة 7 بلايين دولار من الأموال الأفغانية المجمدة من البنك المركزي في البلد وتخصيص نصف هذا المبلغ للمساعدات الإنسانية في أفغانستان، فيما جرى إخراج حوالي 130,000 أفغاني جواً، وغالباً ما يكونون من المتعلمين، إلى خارج البلد خلال أسبوعين فقط.
وبينما قد يكون القتل المباشر للصحفيين على يد حركة طالبان قد توقف، إلا أن لجنة حماية الصحفيين وثّقت تياراً مستمراً من الحوادث التي ارتكبتها حركة طالبان بهدف ترهيب المراسلين والمحريين ومعاقبتهم، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والضرب، وأحياناً الضرب المبرح. ورغم أن وزارة المعلومات والثقافة التابعة لسلطة الطالبان بدت في البداية بأنها تقود وسائل الإعلام وتديرها، إلا أن لجنة حماية الصحفيين وثّقت أن المديرية العامة للمخابرات باتت تؤدي دوراً متنامياً في ذلك.
وثمة توجّهات أخرى تتحرك باتجاهات مثيرة للقلق. ففي نيسان/ أبريل أصدرت محكمة عسكرية تابعة لحركة طالبان في هرات حكماً على الصحفي خالد قادري بالسجن لمدة سنة بزعم نشر دعاية مناهضة للنظام و “ارتكاب التجسس لصالح وسائل إعلام أجنبية”. وكانت هذه القضية هي أول حالة توثقها لجنة حماية الصحفيين لمحاكمة صحفي وإدانته وإصدار حكم ضده منذ أن فرضت حركة طالبان سيطرتها على السلطة. ووفقاً للتقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة مؤخراً، كان 163 من مجموع 173 من انتهاكات حقوق الإنسان التي تؤثر على الصحفيين والعاملين الإعلاميين خلال الأشهر الـ 10 الأولى منذ عودة حركة طالبان إلى السلطات تُعزا إلى “سلطات الأمر الواقع”، وتتضمن هذه الانتهاكات 122 حالة من الاعتقال والاحتجاز التعسفيين، و58 حالة من إساءة المعاملة، و 33 حالة من التهديد والترهيب، و12 حالة من الاحتجاز والعزل عن العالم الخارجي.
تفحُّص حدود القيود المفروضة
يضطر الصحفيون الذين يواصلون عملهم إلى توخي قدر كبير من الحذر، ولكن على أية حال، ليس هذا الأمر جديداً تماماً لهم. ويقول الصحفي علي لطيفي، وهو مراسل مخضرم ويحمل الجنسيتين الأمريكية والأفغانية ويساهم بمواد لوسائل إعلام دولية، إنه كان هناك دائماً عامل من الحذر عند القيام بتغطية صحفية حول أفغانستان. وفي العادة يُجري المراسلون موازنة لخطر التعرض للانتقام، خصوصاً عند التحدث عن موضوعات حساسة. ولكن باتت هذه الضغوطات أكثر شدة حالياً.
ويقول لطيفي، “فما مدى ما ستقوله على شبكة الإنترنت؟ وهل التصريح الذي ستدلي به على شبكة الإنترنت يتسم بقيمة كافية ويستحق أن تخاطر بالتعرض لمشاكل من أجله”؟
وكانت حركة طالبان قد أوقفت لطيفي وحققت معه، ولكنه تعاون مع الحركة وقال إنه لم يقع في مشاكل. إلا أن ثمة موضوعات صحفية—من قبيل تغطية الاحتجاجات التي تخرج فيها النساء—تثير رد فعل فورياً. ويقول لطيفي، “يحاول الناس معرفة مواقع الخطوط التي ليس بوسعهم تجاوزها—فما الذي بوسعك القيام به [أو عدم القيام به]. وانطلاقاً من اتخاذ مزيد من الحرص، بدأ لطيفي يحتاط أكثر لحماية مصادر معلوماته.
وتقول الصحفية غانون إن التغطية الصحفية في أفغانستان لم تتغير كثيراً بالنسبة إليها مما كان عليه الحال أثناء عهد الحكومة السابقة—رغم أنها تقر بأن الصحفيين المحليين يواجهون تمحيصاً أكبر، ويمكن أن يتعرضوا لتبعات أكثر شدة. وتقول، ثمة فرق إيجابي واحد: فقد بات السفر على الطرق في أفغانستان أكثر أماناً بعد توقّف القتال.
مع ذلك، فإن السبيل أمام الصحفيين الأجانب هو أبعد ما يكون عن أنه سالك. وتقول ليني أودونيل، وهي صحفية أسترالية وتكتب في مجلة ’فورين أفيرز‘، إن حركة طالبان تتسم “بحساسية شديدة بشأن صورتها التي تُعرض في العالم”. وفي 19 تموز/يوليو، احتُجزت هذه الصحفية المخضرمة التي تغطي شؤون أفغانستان بعد أيام من وصولها إلى كابول، وذلك على يد عناصر من المخابرات العامة هددوها بالسجن كي تنشر تغريدات تعتذر فيها عن موضوعات صحفية نشرتها سابقاً وتحدثت فيها عن إجبار فتيات على الزواج بمقاتلين من حركة طالبان. وبعد أن نشرت نصاً قصيراً أملاه عليها عنصر من حركة طالبان، سُمح لها بمغادرة البلد وتعهدت لاحقاً بألا تعود إليه أبداً. وفي مقابلة أجرتها لجنة حماية الصحفيين مع أودونيل قالت عن حركة طالبان “إن الخوف هو أساس حكمها، وقد باتت الحركة أكثر كفاءة في ضمان بقاء الناس خائفين”.
موضوعات أقل إثارة للخلاف
ويقول الصحفي سعد محسني، وهو يحمل الجنسيتين الأسترالية والأفغانية ويعيش في دبي، إن وكالة ’طلوع‘ لا زالت تبث تغطية حول موضوعات مثيرة للخلاف، “ونحن نغطي كل قضية يتعين عليها تغطيتها، سواء أكان حول القتل خارج إطار القانون، أو القتال في بنجشير، وكذلك بالتأكيد موضوع تعليم البنات، واستهداف الأقليات، فنحن نغطي كل موضوع يتعين علينا تغطيته”، لكنه يضيف بأن وكالة ’طلوع‘ أخذت تقلل حدة لهجتها بخصوص الموضوعات الخلافية وتنشر تغطية أقل إثارة للخلاف مقارنة مع ما كان عليه الحال في عهد الحكومة السابقة.
وقد تكون عبارة “أقل إثارة للخلاف” لغة مرمّزة تعني ممارسة “الرقابة الذاتية”، وهو نهج يتيح للعديد من الصحفيين في جميع أنحاء العالم مواصلة التغطية الصحفية في بيئات معادية لحرية الصحافة، وذلك من خلال تجنب اللغة والأفكار التي تعتبرها السلطات مسيئة. وقد توجّب على وكالة ’طلوع‘ وغيرها من وسائل الإعلام الأفغانية أن تتخذ قرارات خاصة بها بخصوص موقع الخطوط التي لا يمكنها تجاوزها، وإلى أي مدى يجب دفعها. ولم ينجح ذلك في حماية وسائل الإعلام في جميع الحالات.
وعلى سبيل المثال، تحدّث صحفيون ومديرون في شبكة ’أريانا‘ الإخبارية الخاصة والمستقلة للجنة حماية الصحفيين حول العمل ضمن ظروف صعبة جداً في السنة التي أعقبت عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان. ويقول العاملون إن عمليات الضرب، والتحقيق، والمضايقات، والرقابة، وفصل الموظفات من العمل، تمثل مؤشراً على الصعوبات التي تواجهها المنظمات الإعلامية الأفغانية—وإنها فرضت ضغوطات على وسائل الإعلام التي كانت مزدهرة سابقاً ودفعتها إلى حافة الإغلاق حالياً.
وفي 17 آذار/ مارس حضر عناصر من جهاز المخابرات العامة إلى مكاتب قناة ’طلوع‘ واحتجزوا مذيع الأخبار، بهرام أمان، ومدير الأخبار، خابالوك ساباي، والمستشار القانوني للوكالة. وفي وقت لاحق قال بهرام أمان للجنة حماية الصحفيين، “سألتُهم، لماذا تحتجزوني أنا؟ وقالوا لي بأنني جاسوس وما إلى ذلك”.
واحتُجز بهرام أمان في زنزانة انفرادية معتمة لمدة يوم ثم أفرج عنه. وتبيّن لاحقاً أن السبب المباشر لاعتقاله هو أن دائرة المخابرات العامة اعترضت على تقرير إخباري يفيد بأن جهاز المخابرات يقف وارء مرسوم يحظر بث المسلسلات التلفزيونية الأجنبية. ووفقاً لبهرام أمان، كانت دائرة المخابرات العامة قد حذّرت القناة سابقاً بعدم الإشارة إلى الدائرة في التغطية الإخبارية، رغم أن كل ما فعله بهرام هو قراءة نص الأخبار الذي استلمه في تلك الليلة. وتحدّث هذا الصحفي بعد الإفراج عنه عن قصة احتجازه في بث مباشر، مما أدى إلى مزيد من التهديدات ضده، حسبما أفاد للجنة حماية الصحفيين. وأضاف أن حركة طالبان كانت غاضبة منه بسبب برامجه التلفزيونية السابقة حيث شكك بشدة بتصريحات ممثل الحركة في بث تلفزيوني. وقد فر هذا الصحفي من البلد بعد ما تعرض له.
مع ذلك، يبدو أن قناة ’طلوع‘ واجهت قدراً من المشاكل يقل نسبياً عما واجهته قناة ’أريانا‘. وقد يكون ذلك عائداً إلى أن محسني أبدى استعداداً أكبر للتعاون مع حركة طالبان وبقدر يفوق ما تشي به التصريحات العامة. ويقول مايكل كوغلمان، وهو نائب مدير برنامج آسيا في مركز ولسون، وهو مركز فكري غير حزبي يتخذ من واشنطن العاصمة مقراً له، “لقد حاولت قناة ’طلوع‘ أن تتكيف مع البيئة الجديدة. ولم تسعَ لانتهاز أي فرصة لتوجيه النقد إلى حركة طالبان”.
وقال صحفي أفغاني مخضرم، وطلب عدم الكشف عن هويته ليتمكن من التحدث بحرية حول محسني، “إنه [محسني] يفعل أي شيء ممكن لتتمكن القناة من الاستمرار، وهو ليس صحفياً، وأعتقد أن سعد [محسني] يريد أن يصبح لاعباً مهماً وأن يستخدم وسائل الإعلام التابعة له لتحقيق ذلك”، ولكنه أضاف القول، “أعتقد أن الصحفيين العاملين في القناة رائعين وأنهم يريدون الكشف عن الحقائق”.
ورغم الضغوطات لتقليص بروز النساء في الإعلام، ظلت قناة ’طلوع‘ عازمة على توظيف المزيد من النساء، وبات لدى القناة 21 صحفية حالياً مقارنة مع ثماني صحفيات في آب/ أغسطس من العام الماضي. وعندما فرضت حركة طالبان على النساء في أيار/ مايو الماضي تغطية وجوههن فيما عدا العينين، بدأ الصحفيون الذكور في القناة احتجاجاً بأن وضعوا كمامات على وجوههم لمدة أربعة أيام. وبينما اجتذب هذا الإجراء انتقادات من المحافظين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، امتنعت حركة طالبان عن الرد، حسبما أفاد محسني. وفي الواقع، بينما فر العديد من موظفي قناة ’طلوع‘ من البلد في الأعقاب المباشرة لفرض حركة طالبات سلطتها على البلد، استمرت القناة في توظيف بدلاء وحافظت على عدد الموظفين ليظل حوالي 80 موظفاً.
وقال محسني، “لقد بات بوسعنا التوجه إلى العديد من الأجزاء في جنوب البلد، وفي المناطق والأقاليم التي لم نتمكن سابقاً من الوصول إليها بسبب العنف، وبدأنا نغطي الأخبار المحلية منها. وقد انتقلنا من تغطية 17 قصة إخبارية محلية يومياً إلى 22 قصة إخبارية ثم 25 قصة إخبارية. لذا بات لدينا تغطية أكبر كثيراً فيما يتعلق بالأخبار مقارنة بالوضع السابق”.
ويقول محسني إن القناة تمكنت من البقاء بسبب قرار إدارتها بدعم عمليات القناة، وليس لأنها تحقق دخلاً. وتُجري وكالة ’موبي‘ خدمات إخبارية وترفيهية في جنوب وغرب آسيا وفي الشرق الأوسط وأفريقيا. ويبحث محسني عن أشكال أخرى من الدعم المالي للمحافظة على قناة ’طلوع‘.
ويعتقد محسني أن التغطية الإخبارية لقضايا إشكالية، من قبيل تعليم البنات، أدت دوراً رئيسياً في تشكيل الرأي العام، ويقول إن حركة طالبان تبدي حساسية إزاء الرأي العام، وهذا قد يعزز الأصوات المعتدلة ضمن قيادة الحركة مع مرور الوقت. وأضاف، “هناك، ربما، مسار ضيق لينشأ شيء إيجابي من هذا الوضع”، ولكنه يقر أيضاً بأن أي حدود متاحة للحريات حالياً قد تُغلق في أي وقت.
بالنسبة للصحفيين الذين أرسلوا إليّ الكثير من الرسائل من قبيل “أرجوك ساعدني يا سيد بتلر”، أو يتحدثون عن حركة طالبان ويقولون “سوف يغتالوني أو يغتالوا أحد أفراد أسرتي”، يبدو المستقبل قاتماً إلى درجة ميؤوس منها. مع ذلك ظل مئات الصحفيين على رأس عملهم في أفغانستان، يختطون مسارهم ضمن المشهد السياسي الجديد والخطير، فيما يحاول صحفيون آخرون تغطية الأخبار بينما هم موجودون في المنفى. وهم يعتقدون أنه بوسع عملهم أن يحقق فرقاً في مستقبل بلدهم وفي حياة سائر المواطنين الأفغان.
ستيفن بتلر هو مستشار برامج متقدم في لجنة حماية الصحفيين. عمل سابقاً منسقاً لبرنامج آسيا في لجنة حماية الصحفيين، كما عمل صحفياً في جميع أنحاء آسيا.