بقلم شريف منصور/ منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
لقد ظلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ مدة طويلة منطقة خطرة بصفة خاصة على الصحفيين. وقد وجدت أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن واحداً من كل ثلاثة من الصحفيين الذين قُتلوا في العالم انتقاماً منهم على عملهم منذ عام 1992 – 477 صحفياً من مجموع 1,422، أو 33.5% – كانوا يعملون في هذه المنطقة. وقد ازدادت هذه النسبة إلى 43% في العقد الأخير، إذ قُتل في هذه المنطقة 245 صحفياً من مجموع 568 لقوا حتفهم منذ عام 2011.
لكن هذا العام يعكس توجهاً مختلفاً. فبينما وثّق الإحصاء السنوي للصحفيين السجناء الذي أعدته لجنة حماية الصحفيين عدداً قياسياً من الصحفيين السجناء في العالم بسبب عملهم وبلغ 293 صحفياً سجيناً، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضاً في عدد الصحفيين السجناء في المنطقة من 89 صحفياً في عام 2020 إلى 72 صحفياً لغاية 1 كانون الأول/ ديسمبر 2021 – ويعود ذلك بصفة رئيسية إلى الإفراج عن صحفيين في مصر والسعودية. وللمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً، وثّقت لجنة حماية الصحفيين حالة واحدة فقط – الصحفي اللبناني لقمان سليم – لصحفي يُقتل بسبب عمله.
ولا شك أن مقتل صحفي واحد هو أمر فظيع. وما زالت لجنة حماية الصحفيين تحقق في مقتل صحفيين اثنين آخرين لتحدد ما إذا كانا قد استُهدفا بالقتل بسبب عملهما. فقد قُتلت الصحفية اليمنية رشا عبدالله الحرازي في هجوم بسيارة مفخخة في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 بينما كانت متوجهة بسيارتها إلى موعد مع الطبيب برفقة زوجها، وهو أيضاً صحفي، وذلك في مدينة عدن في جنوب البلد. وقُتل الصحفي يوسف أبو الحسين في 19 أيار/ مايو 2021، عندما قصفت طائرة إسرائيلية مبنى شقق سكنية في مدينة غزة، حيث كان يعيش الصحفي مع أسرته.
والسؤال الماثل الآن: لماذا تتحرك البيانات الإقليمية باتجاه مخالف لاتجاهها في السنوات الماضية؟ ومن غير المفاجئ أنه ليس ثمة إجابة واحدة أو بسيطة.
تغطية ذات صلة
خريطة تفاعلية ومزيد من التحليلات الإقليمية لبيانات لجنة حماية الصحفيين لسنة 2021
قد يكون الانخفاض العام، خصوصاً في عدد الصحفيين القتلى، عائداً جزئياً إلى تراجع النزاعات العسكرية والسياسية في البلدان الأكثر تأثراً بثورات واحتجاجات الربيع العربي، وكذلك النفي القسري للصحفيين من بلدان من قبيل سوريا.
وربما ثمة عامل أكبر: فحكومات المنطقة تزيد استخدامها لأساليب من قبيل الرقابة، والمراقبة، وتجريم العمل الصحفي، إضافة إلى اعتقالات جديدة لإسكات الصحفيين الذين يجاهرون بآرائهم الناقدة.
وبالتالي بينما شهدت مصر تراجعاً في العدد الإجمالي للصحفيين المحتجزين خلال الأشهر الـ 12 الماضية، لكنها كانت ما تزال تحتجز 25 صحفياً في يوم 1 كانون الأول/ ديسمبر، مما جعلها تحتل المرتبة الثالثة بين البلدان التي تحتجز أكبر عدد من الصحفيين. أما المملكة العربية السعودية فقد تعادلت مع روسيا إذ احتل البلدان المرتبة الثامنة.
لننظر إلى سوريا مثلاً، والتي أصبحت البلد الأشد فتكاً بالصحفيين عندما تحولت الاحتجاجات ضد الرئيس بشار الأسد إلى حرب أهلية. لقد تراجع عدد الصحفيين الذين تستهدفهم الحكومة إذ شهد البلد خروجاً جماعياً للصحفيين، أولاً إلى المناطق الخاضعة لجماعات المعارضة، ثم إلى خارج البلد. فخلال الفترة ما بين عامي 2011 و 2015، ساعدت لجنة حماية الصحفيين أكثر من 100 صحفي سوري في التوجّه إلى المنفى وقد انتقل أكثر من 70 صحفي إلى خارج البلد بعد أن سحبت الولايات المتحدة قواتها من مناطق المعارضة في عام 2019.
وفي فترة أقرب، ظهرت تقارير وثّقت أن بلداناً من بينها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي من بين مشتري البرامج الحاسوبية التجسسية من قبيل ’بيغاسوس‘، والتي يُزعم أنها تُستخدم لمراقبة عشرات الصحفيين في جميع أنحاء العالم.
وفي هذا السياق، فإن ما يبدو أنه انخفاض مشجع في عدد الاعتداءات وفي سجن الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يشكل لغاية الآن سبباً للاحتفال. ولكن من الحري بنا أن نراقب هذا المسار.
عمِل شريف منصور، وهو منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، على مناصرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. وقد نال شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من كلية فليتشر في جامعة تافت، وشهادة البكالوريوس في التعليم من جامعة الأزهر بالقاهرة.