بقلم جاستن شيلاد – 7 سبتمبر/ أيلول 2018
توصل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في تقرير أصدره أواخر الشهر الماضي، إلى أن كافة الجماعات المتورطة في النزاع في اليمن – ابتداءً من الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة والمليشيات المدعومة من التحالف الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة والموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، وانتهاءً بالمناطق التي تسيطر عليها حركة أنصار الله المتمردة أو الحركة الحوثية – مسؤولة جميعاً عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
تحاكي نتائج هذا التقرير ما ورد للجنة حماية الصحفيين من صحفيين لا يزالوا يعملون في المنطقة التي تشهد حرباً طاحنة، إذ أفادوا بأنه لا يوجد مكان آمن وأنهم يرزحون تحت ضغط قاتل من جميع الأطراف. وقد وثّقت لجنة حماية الصفحيين حالات اختطاف واعتداء وإحراق ودعاوى قضائية وقتل منذ اندلاع القتال في عام 2014. ووصف الصحفي المستقل سامي الكاف الوضع للجنة حماية الصحفيين بقوله إنه “من الممكن أن تأتي التهديدات من جميع الأطراف بلا استثناء”.
وقال الصحفيون المنتقدون للحوثيين إنهم لا يستطيعون العمل بصورة آمنة في المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه الجماعة، غير أن لجنة حماية الصحفيين وجدت أن الصحفيين الذين يغطون الأنباء من عدن والمناطق الأخرى في الجنوب التي كانت تُعتبر في السابق آمنة نسبياً باتوا هم أيضاً يتعرضون للهجوم والمضايقة من قبل الميليشيات المدعومة من ائتلاف الإمارات العربية المتحدة، كقوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية. وتمارس هذه الجماعات الضغط على وسائل الإعلام كي تمنعها من توجيه النقد للإمارات أو بلدان أخرى تدعم حكومة اليمن، أو من إعداد تقارير حول قضايا من شأنها أن تقحم الميليشيات في دائرة الاتهام.
والنتيجة، وفقاً لما ذكره العديد من الصحفيين اليمنيين للجنة حماية الصحفيين، هي أن الصحفيين أصبحوا مجبرين على ممارسة الرقابة الذاتية من أجل الحفاظ على سلامتهم وأمنهم.
ولم تتلقَ لجنة حماية الصحفيين أية ردود على طلبها التعليق من قبل الحكومة اليمنية والقوات المسلحة اليمينية. كذلك لم تجب السفارة الإماراتية في واشنطن العاصمة ولا وزارة الدفاع الإماراتية ولا وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية على طلب لجنة حماية الصحفيين منها التعليق في هذا الصدد.
إن الحوادث التي اضطلعت بها قوات تابعة لنظام الحكم اليمني أو الحكم بالوكالة المدعوم إماراتياً، من قبيل حادثة الاختطاف التي وثقتها لجنة حماية الصحفيين في وقت سابق من العام الجاري والتي ذهب ضحيتها سبعة من موظفي صحيفة أخبار اليوم احتجزتهم قوات الحزام الأمني مدة شهر، ليست حوادث معزولة. وقال رئيس تحرير صحيفة ‘عدن الغد’، فتحي بن لزرق، للجنة حماية الصحفيين إن كتيبة الطوارئ في عدن اعتقلته مدة ثماني ساعات بتاريخ 1 يوليو/ تموز. وقال إن هذه الكتيبة تعمل تحت مظلة قوات الحزام الأمني.
وقال لزرق إن هذه الجماعة ضربته بصورة متكررة وإن قائدها، وهو صماد سناح، أخبره أن سبب توقيفه هو نشر صحيفته تقارير تزعم أن ميليشيات صادرت أراضٍ في جزيرة العمال بعدن ومنعت السكان من دخول المنطقة.
وفي نهاية المطاف أمر العميد يسران المقطري، قائد قوات مكافحة الإرهاب في اليمن التي تعمل من الناحية الشكلية تحت قيادة الحكومة اليمنية، بإخلاء سبيل لزرق واعتذر عن المعاملة التي تعرض لها، حسبما ذكره لزرق.
وفي حالة أخرى منفصلة وثقتها لجنة حماية الصحفيين أول مرة في شهر شباط/ فبراير، اعتقلت قوات النخبة الحضرمية الممولة إماراتياً عوض كشميم، وهو الرئيس السابق لمجلس إدارة صحيفة ’30 نوفمبر’ المؤيدة للحكومة، لمدة شهر. وقال كشميم للجنة حماية الصحفيين بتاريخ 21 أغسطس/ آب إن المحكمة الجزائية المتخصصة في حضرموت وجهت إليه تهم “التحريض” و “نشر أنباء كاذبة” وإن “ميليشيات تتبع للإمارات” منعته من الكتابة وفرضت قيوداً على سفره.
ولم يرد محافظ حضرموت، فرج البحسني، قائد قوات النخبة والشخص الذي يقول كشميم إنه من أمر باعتقاله، على الرسالة التي بعثتها لجنة حماية الصحفيين له بواسطة البريد الإلكتروني طالبة منه التعليق على الأمر.
وتحدث صحفيون آخرون عن الضغط الذي يُمارس عليهم بأن يتقيدوا تماماً بالخط الرسمي وإلا فإنهم سيواجهون خطر إغلاق صحفهم. وبعد الهجوم الذي تعرضت له مطبعة صحيفة ‘أخبار اليوم’ والذي وثقته لجنة حماية الصحفيين في مارس/ آذار، أُجبرت ‘مؤسسة الشموع’ غير الربحية التي تدير الصحيفة على الانتقال إلى محافظة مأرب، بحسب ما ذكره رئيسها سيف الحاضري، للجنة حماية الصحفيين. وأضاف الحاضري بأن قوات الحزام الأمني أطلقت سراح الموظفين الذين كانت اختطفتهم بشرط أن يتوقفوا عن العمل في صحيفة ‘أخبار اليوم’ أو ‘مؤسسة الشموع’.
وعلى الرغم من انتقال الصحيفة إلى موقعها الجديد، فهي لا تزال تتعرض للضغط بسبب انتقادها لسياسات الحكومة اليمنية وللإمارات العربية المتحدة. وقال الحاضري للجنة حماية الصحفيين إن السكرتير الصحفي بمحافظة مأرب، علي الغليسي، اتصل به وهدده بإغلاق الصحيفة إذا نشرت أي شيء فيه نقد للائتلاف الذي تقوده السعودية، وبوجه خاص للإمارات.
ولم يرد الغليسي على الرسالة التي بعثتها له لجنة حماية الصحفيين بواسطة البريد الإلكتروني طالبة منه التعليق على الأمر.
وقال الحاضري إنه “حتى هذه اللحظة لا يزال هناك ضغوطات من أجل إغلاق المؤسسة في محافظة مأرب”، وذلك “رغم أننا أول صحيفة تصدر من مأرب مما يمثل مكسباً كبيراً للمحافظة”.
وأوضح الحاضري بأن صحفيي الجريدة ما زالوا يتلقون تهديدات مباشرة باستهداف سلامتهم الجسدية، وقال إن “أي صحفي ينتقد ممارسات الإمارات في اليمن يتم تهديده واعتقاله وربما قتله”.
كذلك، واجهت مؤسسات إخبارية أخرى أشكالاً مختلفة من الرقابة أفضت جميعها إلى النتيجة ذاتها. فقد ذكر سعيد ثابت سعيد، مدير مكتب قناة ‘الجزيرة’ في اليمن، للجنة حماية الصحفيين في 27 أغسطس/ آب بأن الحكومة اليمنية وسّعت نطاق الحظر المفروض على القناة في تعز بحيث يشمل كافة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. كما أن القناة ممنوعة من البث في المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون. وأشار سعيد إلى أن القناة قدمت طلباً لتجديد التصريح لها في 17 ديسمبر/ كانون الأول لكنها علمت في يناير/ كانون الثاني أن تم رفض منحها هذا التصريح.
يذكر أن السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن قد حجبت قناة ‘الجزيرة’ أو أغلقت مكاتبها في إطار مواجهة دبلوماسية واسعة تفجرت العام الماضي مع دولة قطر التي تمول القناة. وقد أعقب هذه المواجهة سحب قطر لقواتها من التحالف، بحسب ما أوردته وكالة رويترز.
[ملاحظة المحرر: محمد كريشان المذيع بقناة الجزيرة عضو في مجلس أمناء لجنة حماية الصحفيين].
وأفادت قنوات إعلامية أخرى تعمل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أن تتعرض لضغوط مماثلة؛ فقد ذكر أحمد الزرقة، مدير ‘قناة بلقيس‘ الفضائية اليمنية المستقلة للجنة حماية الصحفيين بأن القناة توقفت عن تغطية أخبار منطقة الساحل الغربي الواقعة بين مينائي المخا والحديدة في اليمن بعد أن تلقت القناة تهديدات من قيادة قوات الحزام الأمني التي، حسب قوله، تتبع مباشرة للإمارات العربية المتحدة. وتخضع مدينة الحديدة لسيطرة الحوثيين وتعد المنطقة برمتها مسرحاً رئيسياً للجهود العسكرية للتحالف ضد الجماعة المتمردة.
وأضاف الزرقة بأن التحالف والميليشيات العاملة تحت مظلته هددا بتنفيذ أعمال انتقامية ضد القناة إذا ما استضافت صحفيين مستقلين ينتقدون أعمال التحالف. وجاء في البيان الصادر عن القناة، والذي بعث الزرقة نسخة منه إلى لجنة حماية الصحفيين، أن قوات الحزام الأمني أمرت في 31 يوليو/ تموز استوديو خاص تستخدمه ‘قناة بلقيس’ لتصوير برامجها بمنع الصحفي المستقل سامي الكاف من الظهور على شاشة القناة.
وصرح الكاف للجنة حماية الصحفيين، وهو يكتب لعدد من المطبوعات فضلاً عن كونه رئيس تحرير موقع ‘الملعب‘ الإخباري، بأن لديه شكوكاً بأن الحظر مرتبط بظهوره عدة مرات في برنامج “المساء اليمني” حيث انتقد قوات الحزام الأمني وميليشيات أخرى بالإضافة إلى الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بسبب الانعدام المستمر للأمن والقتال في عدن. وفي ظهور آخر له، اتهم الكاف المجلس الانتقالي الجنوبي والميليشيات المتحالفة معه “بالقيام بانقلاب” على الحكومة اليمنية.
وقال الكاف إن بعض زملائه حذروه من أنه قد يتعرض للخطف أو الاعتقال بسبب معارضته لقوات الأمن في عدن. وقال إن الحكومة اليمنية لم تحقق في التهديدات وإن زملاءه نصحوه بمغادرة البلاد حفاظاً على سلامته.
وبالرغم من هذه المخاطر والتهديدات، يواصل الكاف إرسال التقارير من جنوب اليمن شأنه شأن صحفيين آخرين. ولكن مع تعزيز وكلاء الإمارات سيطرتهم في تلك المنطقة، تلقي هجماتهم على حرية الصحافة بظلها الثقيل على الدوام على التغطية المستقلة للأحداث.
وقال الزرقة للجنة حماية الصحفيين إن “أية قناة تعارض التحالف أو الإمارات يجري حظرها في المناطق التي يسيطر عليها” التحالف.