بقلم جستين شيلاد/ باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للجنة حماية الصحفيين في 28 ديسبمر/ كانون الأول 2017
تعذيب، وحرمان من العناية الطبية، وتحقيقات متكررة واتهامات بالتعاون مع الأعداء: تتشابه قصة الصحفي اليمني يوسف عجلان بشأن احتجازه، الذي امتد لأكثر من سنة، تشابهاً كبيراً مع قصص العديد من الصحفيين المحتجزين في اليمن بسبب عملهم.
نشرت لجنة حماية الصحفيين في هذا الشهر إحصاءها السنوي حول الصحفيين السجناء، ووجد الإحصاء أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تحتجز ما لا يقل عن 262 صحفياً بسبب تغطيتهم الصحفية.
بيد أن لجنة حماية الصحفيين لم تُدرج الصحفي يوسف عجلان أبداً في إحصائها، إذ أنه لم يكن سجيناً لدى حكومة معترف بها دولياً، وبالتالي لم يكن مشمولاً ضمن المنهجية التي تعتمدها لجنة حماية الصحفيين، وإنما كانت تحتجزه حركة أنصار الله، المعروفة باسم حركة الحوثيين – وهي من الناحية العملية جهة فاعلة من غير الدول.
ومع ذلك فقد احتجز الحوثيون عشرات الصحفيين، وهم يحتجزون حالياً 13 صحفياً على الأقل، وفقاً لتقصيات لجنة حماية الصحفيين. وإذا ما اعتُبر الحوثيون بأنهم سلطة حاكمة، فسيحل اليمن في المرتبة الخامسة من حيث عدد الصحفيين السجناء في العالم، وذلك بعد أريتريا ومتجاوزاً مرتبتي أذربيجان وفيتنام.
أما تأثير هذا الاحتجاز على المناخ الإعلامي وعلى تدفق المعلومات للجمهور، فهو التأثير نفسه سواء أكانت الجهة التي تفرض هذا الشكل الوحشي من الرقابة هي حكومة معترف بها دولياً أم لا. وقد أدى احتجاز الحوثيين للصحفيين إلى إسكات سائر الصحفيين المعارضين لهم، وفقاً لما أفاد به صحفي يمني مستقل طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.
وقال هذا الصحفي المستقل، “أنا وزملائي نعتقد أنه لا توجد تغطية صحفية حقيقية من داخل العاصمة أو من أي منطقة يسيطر عليها الحوثيون”.
وقد وثّقت لجنة حماية الصحفيين كيف يرتكب جميع أطراف النزاع اليمني إساءات ضد الصحفيين، وكيف أدى تفكك هياكل الدولة وآليات المساءلة إلى زيادة التهديدات التي يواجهها الصحفيون. وقال الصحفي المستقل المشار إليه أعلاه للجنة حماية الصحفيين إنه إضافة إلى تعرضه لاعتداءات على يد الحوثيين، فقد تلقى انتقادات عبر شبكة الإنترنت من معارضي الحوثيين – أعضاء الحكومة التي يديرها الرئيس عبد ربه منصور هادي والتي تتخذ من عدن مقراً لها.
انطلق الحوثيون من جماعة متمردة في المنطقة الجبلية في شمال البلاد وسيطروا على العاصمة، صنعاء، وأخضعوا عملياً ما تبقى من الحكومة الوطنية في اليمن. وبعد أن عززوا سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، أحكموا قبضتهم على أجهزة الاستخبارات والأمن الرئيسية، بما في ذلك جهاز الأمن الوطني وجهاز الأمن السياسي. ووفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان هذا الجهازان يتنافسان فيما بينهما ويتمتعان بنفوذ وهيبة كبيرين أثناء حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح (سلف الرئيس هادي، والذي قُتل في هذا الشهر). وبعد ذلك بدأ الحوثيون يحتجزون الصحفيين.
وفي 9 يونيو/ حزيران 2015، اعتُقل تسعة صحفيين في آنٍ معاً عندما داهم مقاتلون حوثيون فندقاً في صنعاء تجمّع فيه الصحفيون لأنه يوفر التيار الكهربائي وخدمة الإنترنت، وهم:
– عبد الخالق عمران، من موقع ‘إصلاح أونلاين’
– هشام طرموم، من صحيفة ‘مأرب برس’
– حارث حميد، من موقع ‘الرابية نت’ الإخباري
– أكرم الوليدي، من موقع ‘الرابية نت’ الإخباري
– عصام بلغيث، من المحطة الإذاعية ‘ناس إف إم’
– هشام اليوسفي، من موقع ‘يمن تيوب’
– هيثم الشهاب، من صحيفة ‘الأهالي’
– حسن عناب، من قناة ‘يمن شباب’ التلفزيونية
– توفيق المنصوري، من صحيفة ‘المصدر’
ووفقاً لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية مستقلة تتخذ من صنعاء مقراً لها، فإن هؤلاء الصحفيين التسعة محتجزون في سجن في صنعاء يديره جهاز الأمن السياسي، وقد أحيلت قضاياهم إلى محكمة جنائية في 17 يونيو/ حزيران 2017.
ومنذ ذلك الوقت، احتجز الحوثيون أربعة صحفيين آخرين، وهم:
– صلاح القاعدي، من قناة ‘سهيل’ التفلزيونية، اعتقل في 28 أغسطس/ آب 2015، وهو محتجز في صنعاء لدى جهاز الأمن السياسي.
– حسين سعيد الإياسي، من صحيفة ‘نهضة وطن’، اعتقل في 18 فبراير/ شباط 2016، وهو محتجز في سجن الثورة المؤقت في صنعاء.
– عبدالله المنيفي، من الموقع الإخباري ‘الصحوة نت’، اعتقل في 18 فبراير/ شباط 2016، وهو محتجز في سجن الثورة المؤقت في صنعاء.
– عبد الرحيم محسن، وهو صحفي مستقل يعمل مع عدة وسائل إعلام، من قبيل المواقع الإخبارية ‘الحدث’ و ‘يمن فويس’، وقد اعتقل في 24 أغسطس/ آب 2017، ولم تتمكن لجنة حماية الصحفيين من التحقق من مكان احتجازه.
ولم تتمكن لجنة حماية الصحفيين من التحقق من وضع هؤلاء الصحفيين الأربعة المحتجزين لدى مؤسسات خاضعة لسيطرة الحوثيين.
عمل الصحفي يوسف عجلان مراسلاً للصحيفة والموقع الإخباري ‘المرصد’ بين عامي 2008 و 2015، واعتقل في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 ثم أفرج عنه في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وقال للجنة حماية الصحفيين إنه تعرض للضرب وإساءة معاملة، لا سيما أثناء الشهر الأول لاحتجازه؛ واستجوبه آسروه الحوثيون عدة مرات، وقاموا بلكمه وركله، كما ضربوه على جميع أنحاء جسده باستخدام عصا. وقال إنهم قاموا لاحقاً بربط يديه وقدميه بقضيب حديدي وعلقوه بين طاولتي مكتب.
وقال عجلان، “سألوني عن عملي كصحفي وعن اتصالاتي مع الصحفيين من خارج البلد”. وأضاف أنه احتُجز لدى الحوثيين لمدة عدة ساعات في 26 مارس/ آذار 2015، وأنه توقف عن العمل في الإعلام بعد احتجازه في المرة الأولى.
وأفاد عجلان أنه احتجز في ستة مواقع مختلفة، وعانى من مرض في المعدة والتهاب في المجاري البولية، إلا أنه حُرم من العلاج الطبي، مما أجبر عائلته على جلب دواء وصفه أطباء من خارج السجن. وقال إن السلطات الحوثية منعت عائلته من زيارته في أغلب الأوقات.
ولم تتمكن لجنة حماية الصحفيين من التحقق مما سرده عجلان بخصوص معاملته في السجن. وأرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة إلكترونية إلى محمد عبد السلام، وهو الناطق باسم حركة أنصار الله، ووجهت إليه أسئلة بشأن معاملة الصحفيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعة التي ينتمي إليها، ولكن لم تتلقَ اللجنة رداً على الرسالة.
وقال عجلان، مشيراً إلى احتجازه للمرة الثانية الذي امتد لأكثر من سنة، “رغم أنني أخبرتهم بأنني توقفت عن العمل كصحفي واشتريت سيارة تاكسي كي أتمكن من إعالة أسرتي، إلا أنهم تجاهلوا كل ما قلته واتهموني بأنني عميل للعدوان السعودي والأمريكي”.
إضافة إلى احتجاز الصحفيين، هناك قضية اختفاء الصحفي وحيد الصوفي، رئيس تحرير المجلة الأسبوعية اليمنية ‘العربية’. وقد اختُطف الصوفي على يد مسلحين مجهولي الهوية في صنعاء في 6 أبريل/ مارس 2015 بينما كان يسدد فواتير المجلة في مكتب للبريد، وما زال مكان وجوده مجهولاً. ولم تعلن أية جهة عن مسؤوليتها عن اختطافه، وأنكر الحوثيون مسؤوليتهم عن هذا الاختطاف الذي جرى في صنعاء التي تخضع لسيطرتهم.
وبدلاً من التحقيق بشأن اختفاء الصوفي، واصل الحوثيون أعاقة عمل الصحفيين واحتجازهم. فعلى سبيل المثال، سيطر مسلحون في 2 ديسمبر/ كانون الأول على مكتب القناة التلفزيونية ‘اليمن اليوم’ واحتجزوا عشرات الموظفين رهائن حتى يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول. وفر العديد من الصحفيين إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة في عدن. وبات المناخ السياسي السائد تحت سيطرة الحوثيين مزيجاً من الشكل الفارغ لسيادة القانون أثناء الحكم الاستبدادي لعلي عبدالله صالح، وسيطرة المتمردين القائمة على السلاح. ولم يتبقَ أمام الصحفيين من خيار سوى الصمت أو المنفى.