استذكرت الصحفية البرازيلية آنا فريتاس، التي تبلغ من العمر 26 عاماً وتغطي الثقافة الشعبية، كيف أنها لم تتمكن في إحدى المرات من إقناع محرر في صحيفة ‘يوبكس’ الإخبارية (YouPix) بنشر مقال كتبته حول تثبيط النساء والأقليات عن المشاركة في تقديم تعليقات بشأن مقاطع الفيديو والأفلام وألعاب الفيديو والكتب المصورة المتعلقة بالثقافة الشعبية.
وكانت فريتاس صحفية مستقلة في تلك الفترة. وعلى الرغم من أن المحرر امتدح جودة مقالها، إلا أن الصحيفة امتنعت عن نشره. وقالت أثناء جلسة حول العنف ضد النساء في شبكة الإنترنت جرت خلال منتدى إدارة الإنترنت الذي عُقد في مدينة جواو بيسوا في البرازيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، “لم تكن الصحيفة ترغب في جذب هذا النوع من الاهتمام”.
وقالت فريتاس إنها نشرت المقال في نهاية المطاف في صحيفة ‘هفبوست برازيل‘، وتلقت فوراً تهديدات شرسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتم نشر معلوماتها الشخصية على الإنترنت، وهي ممارسة معروفة باسم (doxxing)، وتلقت طروداً مملوئة بالديدان في منزلها. ثم غادرت منزلها لعدة أسابيع خشية على سلامتها وسلامة أسرتها.
وكان من بين تبعات الاعتداءات التي تعرضت لها عبر الإنترنت هو توقف المحررين عن قبول عملها. وقالت لي، “لم يعد بوسعي العمل كصحفية مستقلة بعد ذلك”. وبالتالي تمكن المعتدون عبر الإنترنت من حرمانها من مصدر رزقها.
وقالت، “سيكون من الرائع لو أدركت شركات الإعلام، خلال العملية الحالية من إعادة التفكير في دورها في المجتمع، أنه ينبغي عليها أن تقدم فعلاً دعمها للأشخاص الذين يعملون معها، سواء أكانوا صحفيين مستقلين أم موظفين لديها”.
وبعد أن تخلت فريتاس عن العمل كصحفية مستقلة، بدأت تعمل موظفة في صحيفة. وهي تكتب الآن في صحيفة ‘نيكسو جورنال’ وتقول إن المحرر المسؤول يعرف ما حدث معها، وأضافت، “ما زلت أفكر مرتين قبل أن أعرض كتابة مقال حول الأقليات. ولا ينبغي أن تكون الحال على هذه الشاكلة”.
تعرضت فريتاس لهجوم عبر الإنترنت أيضاً بسبب مقال آخر كتبته في عام 2011 حول الثقافة الشعبية بينما كانت تعمل كاتبة في صحيفة ‘أو إستادو دي ساو باولو’، وفي تلك الحالة عملت الصحيفة على تدارُك الموقف بأن نشرت افتتاحية مؤيدة للصحفية، ووفرت لها سيارة لنقلها من منزلها إلى مكتبها. وبعد ذلك تراجعت الاعتداءات.
إلا أن الناشرين لا يقدمون دائماً دعمهم للصحفيين على هذا النحو، ونتيجة لذلك تُضطر صحفيات عديدات ممن يواجهن مثل هذه الاعتداءات إلى فرض رقابة ذاتية على أنفسهن.
جرت دراسة تفاعلية على امتداد عام تحت رعاية منتدى إدارة الإنترنت حول كيفية التصدي للإساءات التي تجري عبر الإنترنت ضد النساء والفتيات، ووجدت الدراسة أن مثل هذه الإساءات، إلى جانب العنف القائم على النوع الاجتماعي، “تعيق حق النساء بحرية التعبير من خلال خلق بيئات لا يشعرن فيها بالأمان تحول دون تعبيرهن عن أنفسهن”. وقد تواجه النساء والصحفيون من المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، وهم يُعتبرون من الأقليات أيضاً، أو الصحفيون من هذه الفئة ممن يعملون خارج بلدانهم، تهديدات إضافية أو عنفاً.
واستنتجت الدراسة التي أجراها ‘منتدى أفضل الممارسات بشأن الإساءات عبر الإنترنت والعنف القائم على النوع الجنساني ضد النساء والفتيات‘ الذي جرى ضمن فعاليات منتدى إدارة الإنترنت عام 2015، “غالباً ما يكون العالم النامي هو مصدر الجهود الرامية لمكافحة الإساءات عبر الإنترنت والعنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي لهما. وتنزع هذه الجهود أن تعكس الظروف السائدة والتصورات الثقافية والتوقعات في البلدان النامية”.
جُمعت إحصائيات قليلة فقط حول نطاق المضايقات والتهديدات التي تواجهها الصحفيات أو التي يواجهها الصحفيون من المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية الذين يواجهون العديد من الاعتداءات المشابهة. وتشير العديد من الدراسات إلى أن هذه المشاكل منتشرة على نطاق واسع، بما فيها استقصاء أجرته المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء والمعهد الدولي لسلامة العاملين في الإعلام، إضافة إلى العمل الذي قامت به رابطة الاتصالات التقدمية، والروايات الشخصية العديدة، والتي يرد بعضها في مكان آخر من هذا التقرير.
وكثيراً ما يقترح غير العاملين في الصحافة ومسؤولو إنفاذ القانون أنه يتعين على الصحفيين الذين يواجهون تهديدات عبر الإنترنت أن يبتعدوا عن موقعي تويتر وفيسبوك، بيد أن معظم الصحفيين يعتبرون هذا الأمر غير عملي وأنه استجابة غير كافية. فالصحفيون هم شخصيات عامة ويعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء الأبحاث ولنشر الأخبار، وكذلك للتواصل مع الجمهور ولبناء سمعتهم المهنية. وإذا ما توقفوا عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تحاشياً للاعتداءات، فمن شأن ذلك تضخيم هذه الاعتداءات التي لن يفندها أحد، كما سيؤدي إلى تبعات اقتصادية سلبية على الصحفيين المعنيين.
ومع ذلك غالباً ما يبدو الإبلاغ عن الإساءات لإدارات وسائل التواصل الاجتماعي بأنه غير مفيد، إذ تظل طلبات الحصول على مساعدة دون مجيب ودون أن يقر أحد بوصولها، حسبما يقول صحفيون جرت مقابلتهم لإعداد هذا المقال وتحدثوا عن هذا الموضوع.
وتشير المقابلات مع الصحفيين، كما يدل الخلاف الذين نشب بسبب قضية (#gamergate) التي تعرضت فيها نساء يعملن في قطاع ألعاب الفيديو لاعتداءات عبر الإنترنت، إلى أن بعض المديرين في المنابر الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي يدركون وجود حاجة للقيام بالمزيد من أجل تمكين المستخدمين من مكافحة الإساءات عبر الإنترنت، ولكن يوجد خلاف بشأن ما إذا كان يجب على المواقع الوسيطة أن تؤدي دورا استباقيا أكبر – وإذا كانت الإجابة بنعم، فما طبيعة هذا الدور. وكانت شركة غوغول قد نظرت لفترة وجيزة بفكرة فرض استخدام الاسم الحقيقي للمستخدم، وقال موقع تويتر أنه سيسهل الإبلاغ عن الحسابات المثيرة للمشاكل. وقد تعرضت جميع المواقع لانتقادات بسبب نقص الشفافية بشأن الإبلاغ وتصويب المشاكل، وفشلها في تضمين منظورات النساء من خارج أوروبا أو أمريكا الشمالية.
اقترحت الصحفية أفيفا روتكن خمس خطوات للحماية من التهديدات عبر الإنترنت، بما في ذلك الاحتفاظ بسجلات بشأن هذه التهديدات وإبلاغ السلطات بشأن الإساءات. واتخذت بعض الحكومات الوطنية إجراءات لإتاحة استجابات أكثر فاعلية. ففي جنوب أفريقيا، أقرت السلطات في عام 2013 قانون الحماية من المضايقات الذي يقتضي من شركات الاتصالات تقدم المساعدة والتجاوب مع أوامر المحكمة ضد المضايقات، ويفرض هذا القانون عقوبات على الشركات التي لا تقدم المعلومات الضرورية.
وبوسع المستخدمين في الولايات المتحدة أن يرفعوا شكاوى إلى مركز شكاوى جرائم الإنترنت. ولكن، وكما هي الحال في العديد من الدول، تتمثل إحدى الطرق القانونية القليلة للضحايا الذين يسعون إلى إزالة صور أو مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت في إطار شكاوى المضايقات، في الادعاء بالتعدي على حقوق الملكية الفكرية. إلا أن استخدام قوانين الملكية الفكرية سعياً للإنصاف ينطوي على عبء كبير ويمكن أن يطيل أمد التأثير الضار للاعتداء عبر الإنترنت إذ يقتضي من الضحية إرسال نسخ عن الصور المسيئة إلى السلطات، مما يوسع نطاق انتشارها والأذى الذي يلحق النساء من جرائها.
وفي أجزاء عديدة من العالم، بما في ذلك البلدان التي يوجد فيها آليات خاصة للتصدي للإساءات عبر الإنترنت، نادراً ما يكون مسؤولو فرض القانون مهيئين للتعامل مع هذه الأنواع من الشكاوى، وقد تؤدي تصرفاتهم أحيانا إلى إدامة الضرر من خلال فرض إجراءات تزيد من انتشار المحتوى المسيء.
وتقول الصحفية البرازيلية آنا فريتاس، معبرة عن رأي شائع بين الصحفيين في جميع أنحاء العالم، “لا تملك الشرطة أي فكرة كيف تتعامل مع هذه الاعتداءات”.
وكتبت الصحفية كيران نازيش في مقال في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ حول التهديدات التي تواجهها الصحفيات في باكستان، “إن أحد العوائق التي تمنع الصحفيات من التحدث عن حالتهن هو الشعور بالعار. فالصحفيات اللاتي يتحدثن عن المصاعب التي يواجهنها يتعرضن لإذلال علني ومضايقات من قبل مؤيدي السياسيين ومؤسسة الحكم. وغالبا ما تمتد المعاناة لأسرهن وزملائهن”.
وأعربت صحفيات أخريات عن آراء شبيهة – بأن الخيار بالإعلان عن الاعتداءات يمثل قضية رئيسية تواجه الصحفيات، إذ أن التصريح بها علنا يمثل سيفاً ذا حدين. فمن ناحية، قد يؤدي التصريح بها إلى شعور بالأمن والتضامن. ومن ناحية أخرى، قد يؤدي إلى اجتذاب مضايقات أشد عبر الإنترنت قد تتطور إلى عنف، كما حدث في قضية (#gamergate) في الولايات المتحدة، إذ وجدت صحفيات ممن يغطين قضايا ألعاب الفيديو أنفسهن مستهدفات من مستخدمي هذه الألعاب الذين سعوا إلى تدمير مسيرتهن المهنية وملاحقتهن في العالم الواقعي خارج الإنترنت. وتضمنت قضية (#gamergate) حملة مضايقات ضد نساء يعملن في قطاع ألعاب الفيديو، واعتداءات ضد الصحفيين والمعلقين الذين تحدثوا عن التهديدات بالاغتصاب والقتل التي ترافقت مع هذه الحملة.
كتبت أرزو جيبولاييفا، وهي صحفية أذرية تعمل في تركيا، مقالاً في هذا التقرير، وكانت قد تعرضت لاعتداءات عبر الإنترنت في عام 2014، وما زالت تتلقى رسائل كراهية بصفة دورية. إلا أنها صرحت بأن الإبلاغ عن الاعتداءات سهّل عليها التعامل معها على المستويين الشخصي والمهني.
وقالت، “بعد أن بدأت في توثيق ونشر هذه الاعتداءات والتعريف بالمعتدين، أصبح الأمر أسهل. وأعتقد أن هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع الاعتداءات، إذ ينبغي التقاط صورة للشاشة التي تتضمن الإساءة، ونشرها والتحدث عبر تويتر عن هؤلاء المعتدين. حتى أنني في وقت من الأوقات فكرت في زيارة مواقع هؤلاء الأشخاص لإيجاد صورة فوتوغرافية جميلة لهم، ثم وضع تعليقاتهم الكريهة التي أرسلوها إلى جانب صورهم. وما زلت أرغب في القيام بذلك”.
كانت هذه الفكرة الأخيرة من بين الأفكار التي أثيرت أثناء جلسة تناولت العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأنترنت جرت في منتدى استكهولم للإنترنت في عام 2015. وقالت لي تانيا لوكورت، وهي صحفية مواطنة تبلغ من العمر 34 عاماً ومحررة لموقع ‘غلوبال فويسز’ [أصوات عالمية] في أوكرانيا، “لا تصدر الإساءات عن أناس متوحشين، وإنما عن أناس عاديين” ووصفت إحدى الحالات قامت فيها ناشطة روسية من المثليين الجنسيين باستخدام أسلوب التشهير بالمسيئين للتصدي لتهديدات بالقتل تلقتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت، “هذه الفكرة مثيرة فعلاً. فعموماً، لا تخشى شبكة الإنترنت الروسية من استخدام الأسماء الحقيقية، ولا يخشى المستخدمون من أن أسماءهم قد ترتبط بما ينشرونه”.
أوردت روتكن في المقال الذي كتبته حول مكافحة التهديدات بالاغتصاب والقتل التي تأتي عبر الإنترنت أن صحفية أخرى، وهي الصحفية الأسترالية ألانه بيرس التي تغطي شؤون ألعاب الفيديو، لاحظت أن العديد من الأشخاص الذين نشروا تهديدات على صفحتها على موقع فيسبوك هم مراهقون يافعون، لذا “بدأتْ بتتبع الصفحات الإلكترونية التي تتبع لأمهات هؤلاء المراهقين، وأخذت ترسل إليهن صوراً عن الرسائل المعنية. وقامت إحدى الأمهات المصدومات بإجبار ابنها على إرسال اعتذار خطي لبيرس”.
ومن الوسائل الأخرى التي اقترحها ‘منتدى أفضل الممارسات‘ للتصدي لهذا الأمر هي أن يُفرض على مستخدمي منابر التواصل الاجتماعي المشاركة في برنامج تدريبي قصير بشأن السلوكيات المقبولة وكيفية الإبلاغ عن الإساءات.
وفقاً لتقرير أفضل الممارسات، لا يُعتبر حظر إخفاء هوية المستخدم حلاً شافياً لهذه المسألة، مما يؤكد على تعقيد الحلول المحتملة للحد من المضايقات والإساءات عبر الإنترنت. وأشار التقرير، “ثمة نسبة كبيرة من الإساءات في الإنترنت والعنف القائم على النوع الاجتماعي تجري عبر حسابات غير معلن عن أصحابها أو حسابات تستخدم أسماء مستعارة و/أو أسماء كاذبة، مما يجعل من الصعب تحديد هوية مرتكبي الإساءات. ومن ناحية أخرى، يُعتبر إخفاء الهوية وسيلة مهمة للنساء كي يتمكنّ من ممارسة حقوقهن على الإنترنت”.
واقترح بعض واضعي السياسات وبعض منابر التواصل الاجتماعي منع حجب الهوية على الإنترنت بغية التصدي لهذا العنف، ولمكافحة غيره من المساوئ الأخرى كالتطرف وخطاب الكراهية، بيد أنه يوجد خلاف بشأن ما إذا كان هذا الأسلوب يمثل رداً ملائماً. فالدستور البرازيلي يحظر حجب الهوية، ولكن ذلك لم يحد من الاعتداءات التي تعرضت لها الصحفية فريتاس. كما تفرض السلطات في الإكوادور وإيران وفنزويلا وفيتنام استخدام الاسم الحقيقي عند التسجيل للحصول على خدمات الإنترنت، مما يمنع حجب الهوية في الواقع العملي، حسب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية التعبير، بيد أن المقرر الخاص لم يعمل على قياس فعالية مثل هذه الإجراءات. ووجدت الأبحاث التي أجرتها لجنة حماية الصحفيين أن السياسات التي تقتضي استخدام الاسم الحقيقي يمكن أن تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وأن تزيد الرقابة، وأن تعمل في الوقت نفسه على تقييد حرية التعبير.
أشار تقرير أفضل الممارسات إلى تعقيد استخدام مسألة حجب الهوية لمكافحة الإساءات في الإنترنت، وأكد أنه “في حين قد يكون حجب الهوية وحماية الخصوصية أمراً حيوياً لممارسة حرية التعبير على الإنترنت، بما في ذلك حق النساء في الوصول إلى معلومات ضرورية وخدمات الدعم، إلا أن هذه الحقوق يمكن أيضاً أن تساعد على تيسير الإساءات على الإنترنت والعنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال إخفاء هوية مرتكبي الإساءات، وبالتالي إفلاتهم من العقاب”.
وليس الغرباء الذين يخفون هويتهم هم المصدر الوحيد للمضايقات ضد الصحفيات في الإنترنت. إذ تأتي بعض التعليقات من الزملاء الذكور ومن مصادر معلومات ينهمكون في حوارات طويلة تؤدي إلى مفاقمة الاعتداءات. وقد تعرضت الصحفية كيران نازيش، وهي صحفية باكستانية مستقلة تغطي شؤون الشرق الأوسط وتبلغ من العمر 33 عاماً، لاعتداءات كهذه عندما كتبت مقالها في صحيفة ‘نيويورك تايمز’.
وقد سردت نازيش أنواع العنف والتهديدات التي تواجهها الصحفيات في باكستان، بما في ذلك ما حدث لها هي أثناء تحقيق صحفي أجرته بشأن قضايا أمنية. فبعد نشر مقالها، واجهت وابلاً من الرسائل التي تتضمن خطاب كراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأخبرتني، “وصلتني مئات التغريدات التي وصفتني بأني خائنة وأنني أشوه سمعة البلد”.
وقالت نازيش إنه بينما كانت تعمل على مقالها التحقيقي، قيل لها “‘إذا كتبتِ هذا الموضوع سوف تُقتلين كما قُتل أصدقاؤكِ’. وكانت التهديدات محددة فعلاً. فقد كتبتُ كثيراً عن التهديدات التي يواجهها الصحفيون، وثمة عبارات أساسية من قبيل ‘كما قُتل أصدقاؤك’ استُخدمت تحديداً لترهيبي”. وكان البعد المتعلق بالنوع الاجتماعي واضحا في هذه الاعتداءات، حسبما تقول نازيش، لأن قدرا كبيرا من هذه المضايقات أتى من صحفيين في باكستان قالوا لها إنه ينبغي عليها، بوصفها امرأة، أن تتوقع مثل هذا الهجوم، وأن ما كانت تريده هو جلب الاهتمام لنفسها فقط. “قالوا لي، ‘ليست مسألة مهمة كثيراً أنك تتلقين تهديدات، فهذا جزء من عملكِ’، وقال آخرون ‘أنتِ تسعين فقط لجذب الاهتمام إلى نفسكِ’. وهذا هو الفرق الأساسي، فعندما تُستهدف النساء بالاعتداءات فمن المتوقع منهن أن يحتملن هذه التحديات، ولا يحصلن على أي تعاطف”.
ولكن نازيش قررت أن تستجيب لبعض التعليقات التي من الواضح أن مصدرها مشاكسون على الإنترنت، ولكنها فعلت ذلك مرة واحدة أو مرتين ثم توقفت عن الإجابة عنها. وقالت، “المشكلة مع المشاكسين في الإنترنت هي أنه لا توجد صيغة أو أسلوب صحيح للتعامل معهم – ويقرر بعض الكتاب الذي يتعرضون لمثل هذه المشاكسات أن يردوا في حين يمتنع بعضهم الآخر عن الرد. ولا أعلم إذا كان يوجد طريقة صحيحة وطريقة خاطئة للتعامل مع هذا الأمر، فالأمر نسبي في الحقيقة”.
وجد استطلاع أجراه مركز بيو الأمريكي في عام 2014 حول المضايقات في الولايات المتحدة أن 40 في المائة فقط من الصحفيين الذين واجهوا مضايقات في الإنترنت قرروا الرد عليها، وأن نصفهم فقط تصدّوا للشخص المعني عبر الإنترنت، من قبيل إزالته من قائمة الأصدقاء الإلكترونيين أو حجب عنوانه الإلكتروني وتعليقاته. في حين قام صحفيون آخرون إما بحذف التعليقات، أو الإبلاغ عنها، أو عمدوا إلى تغيير أسمائهم أو المعلومات المتوفرة عنهم.
وتتيح بعض المنابر الإلكترونية، بما فيها تويتر، استخدام الأسماء المستعارة أو حجب هوية المستخدم. في حين عمدت مواقع أخرى، مثل فيسبوك، إلى حظر إخفاء الهوية أو جعلت أمر إخفائها صعباً.
وأشار توم لوينثال، وهو متخصص الدعم التقني في لجنة حماية الصحفيين، إلى أنه يوجد نوعان مميزان من المنابر الإلكترونية: تلك التي تشبه فيسبوك، حيث تُعرض معلومات عن كل شخص بناء على مواد مختارة ينتقيها المستخدم؛ وتلك التي تشبه تويتر وخدمات الرسائل الفورية، حيث لا يحدد المنبر المعني المعلومات المعروضة. وبالتالي فإن المنابر المختلفة تتطلب أساليب مختلفة للتعامل مع التهديدات والإساءات التي تتضمنها.
ومن الأساليب الأخرى التي يستخدمها الصحفيون للتعامل مع المشاكسين في الإنترنت هي حجب حسابات هؤلاء المشاكسين. وقالت تانيا لوكورت التي تكتب عن روسيا وأوكرانيا إن المحرر الذي يعمل معها يواجه مشاكسين أيضاً، إلا أنه وعلى خلاف الاعتداءات التي تتعرض لها هي، تنزع الاعتداءات على زميلها أن تركز أكثر على المعلومات التي يوردها، أو على مواقفه السياسية، وليس على نوعه الاجتماعي.
ومن الخيارات الأخرى أيضاً هو استحداث قوائم للحسابات المحجوبة، وهو أسلوب اعتمدته الصحفية راندي هاربر بعد أن واجهت مضايقات بسبب مادة نشرتها على مدونة حول المضايقات الجنسية أثناء قضية (#gamergate). فقد عمدت الصحفية إلى تصميم وسيلة لموقع تويتر تعمل على حجب الحسابات المسيئة تلقائيا، بحيث لا تظهر هذه الحسابات على التغريدات التي تصل إلى حساب المستخدم. وثمة وسائل تضيفها أطراف ثالثة مثل وسيلة ‘الحجب الجماعي’ (Block Together) وهي تؤدي الوظيفة ذاتها، إلا أن خصائص هذه الوسائل المضافة غير مدمجة في المنابر المستخدمة، أو أنها ليست سهلة للاستخدام.
وقال لوينثال، “أنا بالتأكيد أعتقد أنه ينبغي على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصالات أن توفر هذه المزايا على نطاق واسع”. وأضاف أنه على الرغم من أن النساء والجماعات المهمشة بدأت تتعلم ما هي الأساليب الفعالة التي ينبغي استخدامها عند التعرض لمثل هذه الاعتداءات، إلا أن هذا الأسلوب يتضمن مقايضة معينة، “فإذا كان يوجد مجموعة كبيرة من الناس يحملون مشاعر كراهية ضدك، وكان يوجد أشخاص يريدون ملاحقتك وارتكاب اعتداءات بدنية ضدك، فإن الوسائل التي تمنعك من معرفة هذه التهديدات قد تتسبب لك بخطر أكبر. فإذا قام شخص ما بنشر عنوان بيتي، فإنني أرغب أن أعرف فوراً بحدوث هذا الأمر”.
ثمة فصل مصطنع بين العالم الرقمي والعالم الواقعي للصحفيات خلال هذا العصر الرقمي، وهذا يؤكد على الحاجة إلى طائفة من الحلول للتصدي للمضايقات والإساءات التي تحدث عبر الإنترنت. وفي نهاية المطاف، يجب على الحلول الرامية إلى الحد من العنف ضد النساء عبر الإنترنت وفي العالم الواقعي أن تكون متعددة الأوجه وأن تأخذ باعتبارها ما يحدث من تغيير في الأعراف، وذلك لجعل مثل هذه الاعتداءات أمراً غير مقبول. وثمة مسؤولية أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي لأن تكون أكثر استجابة وأن تضع ضوابط أكبر بأيدي المستخدمين. وفي النهاية، فإن أفضل طريقة تصرّف للصحفيين الذين يتعرضون لاعتداءات هي مزيج من الرصد وربما الاستجابة للتهديدات وإبلاغ المواقع المعنية و/أو السلطات بشأنها، وذلك بحسب خصائص الوضع والمكان المحدد.
كورتني سي. رادش هي مديرة قسم المناصرة والدعوة في لجنة حماية الصحفيين، ومؤلفة كتاب سيصدر قريباً بعنوان ‘النشاط الرقمي وصحافة المواطنين في مصر: مسافة رقمية وتغيير سياسي’