بقلم: كورتني سي. رادش
شكل الثلج الذي ضرب في السعودية على نحو غير متوقع في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013 وانخفاض الحرارة إلى درجات الانجماد مادةً إخبارية دسمة في مملكة صحراوية عُرفت بحرِّها القائظ. لكن، في المقابل، بقي الحديث عما ترتب على ذلك من انقطاع في التيار الكهربائي عن سجن المحافظة وحرمان نزلائه من الطاقة الكهربائية لنحو أسبوع منطقة محظورة على الصحفيين.
غير أن منصور المزهم، مراسل صحيفة ‘الوطن أونلاين’ اليومية السعودية، كتب عن انقطاع الكهرباء على موقع تويتر فاقتيد إلى المحكمة بتهمة التشهير عبر “أجهزة تكنولوجيا المعلومات”. وقضى المزهم سبعة أيام في السجن وأُجبر على دفع غرامة عن انتهاك المادة 3 من قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية.
لا تتمتع الصحافة في معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا بقدر محدود من الاستقلالية جراء الخطوط الحمراء الصارمة المفروضة، ومن هنا لجأ النشطاء والصحفيون إلى مواقع التواصل الاجتماعي ليكتبوا عن قضايا ذات اهتمام شعبي أو يعلقوا عليها. لقد ملأ التدوين والنشر على فيسبوك وتويتر الفراغ الذي أحدثته هيمنة الإعلام المُسيّر من قبل الدولة والافتقار إلى الصحافة المستقلة في المنطقة قبل عام 2011.
اتخذت السلطات التي تستشعر التهديد من جهود الإصلاح الداخلية أو النقد بعد الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا واليمن في عام 2011 إجراءات رهيبة للتشديد على صحافة الإنترنت وحرية التعبير في الإطار الأعم. ولم تعد شبكة الإنترنت ملائمة للصحافة المستقلة كما كانت سابقاً، لأن الحكومات غير الديمقراطية محت الفروقات القانونية بين التعبير عبر الشبكة والتعبير عبر غيرها. ومن المحتمل أن يعاني الفضاء الرقمي بالنسبة للصحافة المستقلة وحرية التعبير من تقييد أكبر جراء القوانين المقيدة والمراقبة والرقابة الذاتية الناتجة عن ذلك.
في ظل هذه البيئة، تم تمرير، أو تحديث، قوانين ضد زعزعة النظام العام ونشر أخبار كاذبة ليتم تطبيقها على عملية التعبير عن الرأي على شبكة الإنترنت -وكل ذلك باسم الحفاظ على الاستقرار ومنع الإرهاب وتجنب حالة الفوضى. ويواجه الصحفيون الذين يخالفون هذه القوانين عقوبات جنائية قد تشتمل في بعض الأحيان على أحكام بالسجن لمدد طويلة وغرامات.
في البلدان التي تبنت دساتير جديدة غداة انتفاضات شعبية أو التي تبنت دساتير جدية في محاولة لكبح تلك الانتفاضات، أُدرجت في الغالب أحكام تعالج تحديداً موضوع الصحافة الرقمية والتواصل عبر الشبكة. ففي مصر، أسس دستور عام 2014 لعملية تنظيم الصحافة عبر الإنترنت بينما لم يكن يعيق حرية الصحافة الرقمية قبل ذلك أي شيء تقريباً.
وقال رئيس تحرير موقع ‘حبر’ الإخباري الأردني، رمزي جورج للجنة حماية الصحفيين إنه “بشكل عام، تُبذل في الشرق الأوسط جهود إضافية للحد من قدرة الصحفيين والناس من العمل بحرية”.
وفي الإمارات العربية المتحدة، مُنع الصحفيون الأجانب من تغطية أخبار محاكمة 94 من المشتبه في تعاطفهم مع الإخوان المسلمين عام 2013. كانت تغطية الصحفيين المحليين منحازة وناقصة، حسب منظمات حقوق الإنسان والبروفيسور مات دفي، وهو أستاذ مساعد زائر بكلية بيري، الذي غطى أخبار ردود الفعل الناتجة عن المحاكمات لصحيفة ‘المونيتور’. ونتيجة لذلك، لجأ مراقبو المحاكمة إلى موقع تويتر لتغطية أخبار القضية والتي اشتملت على اتهامات بالتعذيب ومخالفات إجرائية.
وكتب أحد هؤلاء المعلقين، وهو عبد الله الحديدي، في تغريدة قائلاً “لماذا لا يُجرى تحقيق فيما يتعلق بتعذيب سالم صهوة وإبراهيم ياسي ومحمد عبد الرزاق، على الرغم من ذكر ذلك في المحكمة؟ # Violations_ despite_ trial # trial_free_Emirates “. وقد أدت ملاحظاته وتساؤلاته الناقدة بشأن المحاكمة ومعاملة المتهمين إلى توقيفه حيث وُجهت له تهمة نشر أخبار كاذبة، وهي التهمة التي يجرمها قانون العقوبات. ومن ثم تم الحكم عليه بالسجن 10 أشهر بعد أن وجه القاضي توبيخا له ولصحيفته “بسبب تجاوز حدود حرية التعبير عن طريق محاولة تحريض الرأي العام”، حسب صحيفة ‘غلف نيوز’.
وقال البروفيسور دفي للجنة حماية الصحفيين إن “الأدلة على ‘تآمرهم’ [المتهمين] بدت وكأنها لا تزيد عن كونها نقاشات ونقد واختلاف في الرأي”.
أصبح قانون الجريمة الإلكترونية، الذي يُبرر رسمياً بأنه وسيلة لمنع الإرهاب وحماية الأطفال، يشكل مبعث قلق متزايد بالنسبة للصحفيين لأن هذه القوانين باتت تستخدم أيضاً في تقييد عملية التعبير القانونية وخاصة عندما تكون ناقدة للسلطات أو تسبب لها الحرج. وبحسب الإحصاء السنوي لعدد الصحفيين السجناء الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين لعام 2014، كان 30 من أصل 41 صحفياً سُجنوا في الشرق الأوسط العربي يعملون على الإنترنت. لقد سُجن نحو نصف صحفيي الإنترنت بموجب قوانين مناهضة للدولة من قبيل انتهاك الأحكام ذات الصياغة الفضفاضة للجريمة الإلكترونية ومكافحة الإرهاب.
في عام 2012، مثلاً، قامت الإمارات العربية المتحدة بتحديث قانونها الخاص بالجريمة الإلكترونية بحيث يعتبر التشهير بالحكومة أو تشويه سمعة ممثليها أمراً مخالفاً للقانون، وذلك باستخدام اللغة المبهمة التي يشيع استخدامها في عدد كبير جداً من هذه القوانين في المنطقة. وقد وصف دفي هذا التحديث بأنه “قمعي من حيث إبهامه”.
وقال دفي إن “هذه القوانين تستهدف النشطاء الإعلاميين الذين يلعبون دور الصحفيين. لا أحد يمارس الصحافة النقدية في هذه البلدان، لذا فإن نشطاء وسائط التواصل الاجتماعي هم الوحيدون الذين يتحدون هذه الحدود وهم مَن تُمارس عليه الآن الإجراءات المشددة”.
إن صياغة القوانين بلغة مبهمة وإدغام النقد بالممارسات الإرهابية أو تهديد الأمن الوطني أدى -على نحو آخذ في التزايد- إلى خلق وضع محفوف بالمخاطر بالنسبة لصحفيي الإنترنت. وفي الوقت ذاته، تم توسيع نطاق أنظمة الترخيص التي تقيد حرية التعبير في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع لتشمل صحافة الإنترنت. ويبدو أن الهدف من اشتراط تسجيل المواقع الإخبارية و/أو المدونات لدى الحكومة وحجب المواقع التي لا تتقيد بذلك -كما هي الحال في السعودية والأردن– هو إبقاء التواصل عبر الإنترنت تحت المراقبة والسيطرة على أمل الحيلولة دون تأجيج الصحافة المستقلة لمشاعر الاستياء الداخلي.
يقول هشام الميرات، وهو طبيب ومدون مغربي يعمل لدى جمعية الحقوق الرقمية، “لقد تمخض عن الربيع العربي نتيجتان: فقد اثبت أنه بمقدورك تغيير الأمور في بلدك، لكنه كان أيضاً بمثابة صرخة إيقاظ لتلك الحكومات -لقد كان الربيع العربي بمثابة تحول في النمط المعياري في عالم الإنترنت. قبل ذلك، كانت تلك الحكومات تظن أن الإنترنت لن تقوض البنى التي أمضت قروناً وهي تبنيها. لكن الإنترنت حاضرة في كل مكان ولا يمكنك إغلاقها وحسب”.
وترى جيسيكا ديير، وهي من مؤسسي منظمة ‘تبادل الإعلام الاجتماعي’ (SMEX)، أن الهدف الوحيد الذي تضعه حكومات المنطقة نصب أعينها فيما يتعلق بالإنترنت هو: الحفاظ على السلطة على افتراض أنها إن تمكنت من السيطرة على المعلومات فإنها تستطيع السيطرة على النتائج. وقالت إن “كل ما تقوم به الحكومات العربية الآن يتمحور حول محاولة السيطرة على الإنترنت. كل التشريعات التي تم إقرارها، وخاصة منذ الربيع العربي -وحتى قبله- تدور حول محاولة السيطرة على الإنترنت، وإن الطريقة التي تعامل بها الحكومات النشطاء وتعتقلهم وتضايقهم بها تدور كلها حول السيطرة على الإنترنت”.
وعملت السعودية على توسيع نطاق القوانين القمعية للصحافة بحيث شملت إعلام الإنترنت في خضم الثورات التي ضربت في تونس ومصر في يناير/ كانون الثاني من عام 2011، بل وجرّمت الحكومة في عام 2014 تغطية أخبار الاحتجاجات عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي بموجب قانون جديد لمكافحة الإرهاب. في تلك الأثناء اقتُرح في الكويت قانون من شأنه أن يمنح السلطات صلاحية إغلاق المواقع وتقييد إمكانية الدخول إلى شبكة الإنترنت دون إبداء السبب وذلك بحجة حماية الأخلاق العامة أو الصحة العامة أو الأمن الوطني. تمتلك الكويت أعلى معدل استخدام لتويتر للفرد في العالم، وفق دراسة أجرتها جامعة نورث إيسترن، ويرى النقاد في ذلك محاولة من الحكومة للحد من مناقشة موضوعات حساسة وتغطية شؤون الانتخابات مع التلويح بعقوبات قاسية من ضمنها السجن.
وفي قطر تم في شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2014 تمرير قانون فضفاض للجريمة الإلكترونية يفرض غرامات مالية كبيرة وأحكاماً بالسجن بحق كل من تثبت إدانته بانتهاك القيم الاجتماعية عن طريق نشر “أخبار أو صور أو تسجيلات صوتية أو مصورة تتعلق بالحياة الشخصية أو العائلية للأفراد، حتى وإن كانت صحيحة”. ويشتمل هذا القانون، ككثير من القوانين من شاكلته في المنطقة، على حظر نشر الأنباء الكاذبة كما أنه يفرض عقوبات على إنشاء أو إدارة مواقع لهذا الغرض. إن هذا القانون، ومن خلال تجريم استحداث أو نشر محتويات تم تعريفها تعريفاً مبهماً، يفتح الباب أمام ملاحقة الصحفيين وغيرهم قضائياً لمشاركتهم في التغطية أو التعليق على نحو يراعي المعايير المعتمدة في هذا المجال.
وقد وصف مركز الخليج لحقوق الإنسان هذا القانون بأنه “مبهم في أحسن الأحوال“.
هناك ستة عشر بلداً في المنطقة تجرِّم قوانينها التجديف والردة، حسب منتدى مركز بو لبحوث الحياة الدينية والعامة. إن تطبيق هذه القوانين على إعلام الإنترنت يثبط من قدرة الناس حتى على مناقشة الدين والشؤون الدينية. وفي بعض الحالات، كما في السعودية وليبيا، قد يواجه المدان بهذه الجريمة عقوبة الإعدام. ويفتقر الصحفيون للآليات الأساسية التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم نظراً لكون صحة المعلومة لا تشكل دفاعاً ضد القذف والتشهير في معظم البلدان، كما بينتُ في التحليل الذي أجريته لمطبوعة اليونسكو بعنوان الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتطوير الإعلام.
وفي مصر، كان لقانون التظاهر الذي تم تطبيقه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 “تأثير مباشر على المحتوى إذ أبعد الصحفيين النشطاء عن سياسات الشارع وأبعد سياسة الشارع عن الصحف”، بحسب ما جاء في تحليل لمنظمة ‘المادة 19’ المؤيدة لحرية التعبير حول إعلام الإنترنت الإخباري في هذا البلد. ووفقاً للبحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين، أُودع العديد من الصحفيين والمدونين والنشطاء السجن بموجب هذا القانون الذي يفرض عقوبات تصل إلى السجن سبع سنوات.
كانت تونس بحلول نهاية عام 2014 عاكفة على دراسة مشروع قانون الجريمة الإلكترونية الذي يشتمل على عقوبات على التشهير. وعلى الرغم من أن قانون العقوبات هناك يجرّم التشهير أصلاً إلا أن “الفرق هو أنه يجعل هذه الأحكام خاصة بالإنترنت”، حسب عفيف أبروجي وهو مستشار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وحقوق الإنسان في تونس.
ومن الأنباء غير السارة بالنسبة للصحفيين: يبدو أن هناك تأييد شعبي واسع لتشديد الرقابة على الإنترنت.
وبحسب استطلاع أجرته جامعة نورث ويسترن، يميل الرأي العام في المنطقة إلى تنظيم الإنترنت على نحو أكثر صرامة، حيث يفضل 50 بالمائة من الذين استُطلعت آراؤهم في هذا الدراسة التي شملت ثمانية بلدان فرض قوانين مطلقة اليد بينما عارض ذلك 16 بالمائة فقط. وقد رأى أقل من 50 بالمائة من الذي استُطلعت آراؤهم في أغلب هذه البلدان ضرورة أن يتمتع الناس بحرية توجيه النقد للحكومة في شبكة الإنترنت. وقد توصلت دراسة أخرى أن معظم المستخدمين الذي استُطلعت آراؤهم في المنطقة أيدوا الرقابة الحكومية بغرض “حمايتهم” من المحتوى الذي يُعتقد أن غير مناسب أو لا يتماشى مع القيم الثقافية.
وذكر رمزي جورج للجنة حماية الصحفيين أن “قانون مكافحة الإرهاب [في الأردن] كان له أثر على ما يقوله الناس وما يكتبه الصحفيون”. وأضاف بأن القانون “أعاق النقاش بشأن ما يحدث وأن الحكاية الرئيسية التي تخرج للعلن هي التي تريد لها الحكومة أن تخرج”.
وفي مصر، سيعطي مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي وافق عليه مجلس الوزراء السلطات حرية عمل واسعة للتدخل في الاتصال عبر شبكة الإنترنت وزيادة من نطاق سلطاتها الرقابية. وإذا ما تمت الموافقة على هذا القانون سيكون بوسع الدولة فرض عقوبات جنائية على من “يروج مواد الغاية منها تضليل السلطات الأمنية أو القضائية في أمور تتعلق بجرائم الإرهاب” وإغلاق المواقع الإلكترونية التي يُزعم أنها تستخدم لمثل هذه الأغراض. ولغاية أواخر عام 2014، كان مشروع القانون ينتظر التوقيع النهائي للرئيس عبد الفتاح السيسي عليه ليصبح نافذ المفعول.
لقد تم حجب موقع حبر الذي أسسه رمزي جورج في الأردن عام 2014 بعد رفضه الامتثال للقانون الجديد الذي يشترط على المواقع الإخبارية التسجيل لدى الحكومة ويرهقها بشروط تعيين موظفين وشروط تتعلق بالتعليم كي تتمكن من التسجيل. وعلى الرغم من نشر الموقع الإخباري المحلي بعضاً من محتوياته على موقع فيسبوك وغيره، إلا أن القانون “كان له الأثر الذي أراد؛ فقد قلل من حجم مشاهدته” على حد تعبير رمزي جورج الذي أضاف بأنه يفكر في الإذعان لشروط التسجيل كي يظل الموقع قابلاً للاستمرار.
وقال جورج “لقد تم كبت أي إصلاح وأي نقاش حوله. أما الناس الذين كانوا معروفين بالمطالبة بتطبيق برنامج إصلاحي، فقد تحولوا إلى التركيز على قضايا شديدة المحلية، من قبيل جمع النفايات، ولكن لا أحد يطالب بالشفافية والمساءلة بخصوص الميزانيات العسكرية مثلاً”.
بحسب تحليلي المقدم لتقرير اليونسكو حول تطور الاتجاهات الإعلامية، يُطلب عادة من صحفيي المنطقة الحصول على تراخيص لمزاولة المهنة، ونظراً لوجود تمييز واضح -ظل قائماً حتى وقت قريب- بين إعلام الإنترنت والإعلام التقليدي، تم استثناء صحفيي الإنترنت من متطلبات الترخيص والتسجيل هذه. لقد كان عدم الاعتراف بصحفيي الإنترنت سلاحاً ذو حدين. فمعظم بلدان المنطقة تتطلب التسجيل لدى نقابات صحفية موافق عليها من قبل الدولة لا تعترف عادة بصحفيي أو إعلام الإنترنت وبالتالي تستثني مثل هؤلاء الصحفيين من الامتيازات والشهادات التي تقدمها هذه النقابات. من ناحية أخرى، فإن الجهود الجارية لتوسيع نطاق متطلبات التسجيل لتشمل المطبوعات التي تصدر على الإنترنت فقط وبالتالي على صحفييها، تخاطر بوضع مسألة التحكم فيمن هم صحفيين أو غير صحفيين بيد الحكومة على نحو أشد صرامة.
بالنسبة لمن يعملون في الإعلام المعتمد على الإنترنت أو الذين يزاولون الصحافة على شبكة الإنترنت فقط، يمكن أن يحول عجزهم عن التسجيل كصحفيين والحصول على أوراق اعتماد إعلامية دون قدرتهم على تغطية المظاهرات الشعبية والأحداث الرسمية، مما يعرضهم للملاحقة القانونية بموجب قوانين التظاهر وقوانين حفظ النظام العام شديدة القسوة، كما هي الحال في مصر.
وسط هذه الأجواء القانونية من التضييق، أصبحت الهجمات الإلكترونية على حسابات المواقع الإعلامية والصحفيين وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي تكتيكاً أكثر شيوعاً لكبت حتى أشد الجهود الصحفية تواضعاً. وأطلقت الأبواق الموالية للحكومات حملات تشهير ضد الصحفيين المنتقدين لأداء الحكومات في الكثير من البلدان. وقد لجأت جهات فاعلة رسمية وغير رسمية إلى طمس محتويات المواقع الإخبارية وخاصة المواقع الإخبارية التابعة للمعارضة والمواقع الغربية، واختطاف حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وربما تكون سوريا قد شكلت قدرة عسكرية لشن هجمات إلكترونية إذا ما كان يتعين تصديق الهجمات التي ادعى الجيش السوري الإلكتروني الموالي للحكومة أنه استهدف بها صحف ‘نيويورك تايمز’ و ‘هفنغتون بوست’ و ‘واشنطن بوست’.
وقال هشام الميرات “كثير ممن لا يزال لديهم ولع وشجاعة بالقدر الكافي ليقولوا ما يدور في خلدهم على الإنترنت، وقعوا ضحيةً لمثل هذا النوع من الهجمات”. وأضاف “تتعرض حسابات بريدهم الإلكتروني أو على فيسبوك للهجوم أو، إذا كنت شهيراً جداً، يتم إرسال برنامج تجسس متطور إلى حساباتك مثل ‘دافنشي’ وحصان طروادة (تروجان). مثل هذا النوع من الأمور بات أكثر شيوعاً إلا أنه من الصعب إثبات أنه عمل مدبر أو منسق”.
تبدو حكومات المنطقة تواقة إلى توسيع نطاق سلطتها إلى دنيا حوكمة الإنترنت الواسعة على مستوى العالم أيضاً. في أكتوبر/ تشرين الأول مكن عام 2014، زعمت الدول الاثنتين والعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية أن “مرجعية السياسات فيما يتعلق بقضايا السياسات الدولية العامة المرتبطة بالإنترنت هو حق سيادي للدول”. يتناقض هذا مع نموذج “تعدد الأطراف صاحبة المصلحة” الذي يعطي المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ومجتمع المهنيين في هذا المجال أدواراً مكافئة لأدوار الدول في حوكمة الإنترنت.
وقد تبدت هذه النزعة للعيان في الاجتماع الثالث للمنتدى العربي لحوكمة الإنترنت الذي انعقد في بيروت أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014 والذي شهد حضوراً ضعيفاً على مستوى كبار المسؤولين الحكوميين العرب، بحسب العديد من المشاركين من أوساط المجتمع المدني. وقال محمد نجم، عضو الفريق الاستشاري للإنترنت التابع للجنة حماية الصحفيين ومشارك آخر في تأسيس منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي، للجنة “أعتقد أن المنتدى العربي لحوكمة الإنترنت هو مكان للنقاش والمناظرة إلا أنه لا يمتلك آلية لاتخاذ القرارات [لذا فإن الدول] تركز على الاتحاد الدولي للاتصالات لوجود شيء من السلطة ولأنها تستطيع بالفعل فرض سيطرة أكبر على الإنترنت”.
وقال نجم إن منتدى عام 2013 الذي عقد في الجزائر، حضره مسؤولون رفيعو المستوى من العديد من البلدان غير أن حكومات من المنطقة لم تعد الآن مهتمة في إجراء نقاشات أو مناظرات مفتوحة مع المجتمع المدني. وقال “لقد جرت بعض النقاشات الجيدة [في لبنان] حول حرية التعبير على الإنترنت والخصوصية والإرهاب ولكن المسألة المهمة التي لم يتطرق لها النقاش هي أن الحكومات لا تأبه ولا تصغي”. وأضاف نجم أن “استراتيجيتها تتمثل في مزيد من السيطرة على الإنترنت وعلى التعبير عبر الإنترنت وأن تحاول قدر الإمكان، بصورة قانونية أو غير قانونية، سواء في الاتحاد الدولي للاتصالات أو عن طريق سن قوانين جديدة تفرض قيواد على حقوق الإنسان، أو حتى مخالفة القوانين التي تضعها هي ذاتها ومقاضاة مواطنيها”.
وقالت جيسيكا ديير إن ثمة قصور في الرؤية الاستراتيجية في المنطقة بشأن دور الإنترنت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ينتج عنه تركيز الحكومات على الحفاظ على الوضع الراهن. وأشارت إلى أن السيطرة الحكومية على الإنترنت لا تتم بشكل أحادي بل ضمن جهود منسقة بين الدول العربية.
وذكر معز شكشوك رئيس وكالة الإنترنت التونسية ورئيس هيئتها التنفيذية، وهي مزود خدمات الإنترنت بالجملة في تونس، للجنة أنه “يجب علينا أن نتعلم أن نكون منفتحين وشفافين. لا تزال العلاقة بين صناع السياسة والمواطنين هشة وأن بناء الثقة هو وحده الذي سيعززها”.
وفي ظل انتشار الهجمات العنيفة على يد جماعات مسلحة في مصر وتونس وليبيا والقتال المستمر ضد المسلحين الذين يسمون أنفسهم الدولة الإسلامية، فإنه من المرجح أن يكون بناء مثل هذه الثقة أصعب ما يكون.
ما أن اتخذت الحكومة في تونس، والكلام لعفيف أبروجي، إجراءات للابتعاد عن الرقابة حتى تباطأ المسؤولون في تنفيذها في غمرة اندلاع أعمال عنف هناك. وقال أبروجي للجنة حماية الصحفيين، وهو استشاري إنترنت تحول إلى صحفي، “لقد اشتدت وتيرة الحوار خصوصاً في ظل الهجمات التي تعرضت لها الشرطة والجيش العام الماضي [2013] على يد جماعات مسلحة” وأضاف “لقد صرح وزير الداخلية أنه عليهم رصد الإنترنت وفرض رقابة عليها، وكأن الإنترنت هي السبب الوحيد والرئيسي هو حدوث مثل هذه الهجمات”.
استخدمت حكومات من مختلف أنحاء المنطقة هذه الأعذار ذاتها وغذَت بها محاولات أكثر تنسيقاً لتوسيع نطاق المراقبة على كافة المنابر الرقمية خاصة مع ما تكشّف عن عمليات مراقبة جماعية قامت بها الولايات المتحدة ووكالات تجسس غربية أخرى. وقال الميرات إنه “بدلاً من الرقابة، كل ما عليك فعله هو التجسس على الجميع أو غرس فكرة في الأذهان أن الكل يمكن التجسس عليه، الأمر الذي يترك أثراً مثبطاً رهيباً على حرية التعبير”.
في يونيو/ حزيران من عام 2014، نشرت صحيفة الوطن وثيقة عطاء حكومي مسربة تتعلق بتقنية لمراقبة الإعلام الاجتماعي في الوقت الحقيقي وتضم قائمة طويلة مفصلة بالمحتوى و “الأفكار الهدامة” التي تسعى الحكومة المصرية إلى رصدها.
وجاء التسريب في أعقاب تقرير صادر عن ‘سيتيزن لاب’ بجامعة تورنتو تلك السنة أفاد بأن الحكومة المصرية تستخدم برامج تجسس لاستهداف الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان واعتراض اتصالاتهم. وكان حكومات كل من المغرب وعُمان والسعودية والإمارات العربية المتحدة أيضاً من بين الحكومات التي ذكرها الباحثون والتي تستخدم برامج مراقبة وقرصنة تتسم بفاعلية استثنائية.
أما تونس، التي كانت تمتلك أحد أشد أجهزة الرقابة تطوراً في المنطقة أبان حكم زين العابدين بن علي، فلم تعد تحتفظ بنفس المستوى الذي كانت عليه من الرصد والمراقبة، حسب شكشوك.
ولكن على إثر الأسرار التي أفشاها إدوارد سنودن ومنها تقارير حول تجسس يستهدف الصحفيين وقرصنة وسائل الإعلام، بما في ذلك الاتصالات الداخلية لقناة ‘الجزيرة‘، أثارت الحكومات ضجة بشأن احتياجها لبرامج المراقبة وتوطين البيانات الخاصة بها كي تضمن إمكانية الدخول إلى الاتصالات التي تتدفق عبر حدودها. لن يتوجب على الصحفيين في معرض عملهم على تقنيات المعلومات والاتصال مواجهة بيئة قانونية تحفها المخاطر على نحو آخذ في التزايد، وحسب، بل ورقابة ذاتية زاحفة تعززها المراقبة والعقوبات الجنائية القاسية كذلك.
كورتني سي. رادش، دكتورة، مديرة قسم الدعوة في لجنة حماية الصحفيين. عملت سابقاً لدى اليونسكو في قسم حرية التعبير وشغلت منصب مدير برامج أول في الحملة العالمية لحرية التعبير في فريدوم هاوس حيث ترأست بعثات لأكثر من عشر دول. كذلك عملت في قناة ‘العربية’ بدبي وصحيفة ‘ديلي ستار’ بلبنان وصحيفة ‘نيويورك تايمز’.