إعداد: كورتني سي. رادسش/ مدير قسم الدعوة والمناصرة في لجنة حماية الصحفيين
بعد سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين مصريين جرت في الأسبوع الماضي لمناقشة شواغل متعلقة بحرية الصحافة، كان مما يبعث على الحبور سماع خبر الإفراج بالكفالة عن الصحفيين محمد فاضل فهمي وباهر محمد بعد أن أمضيا أكثر من 400 يوم في السجن.
لقد أصبحت قضية صحفيي الجزيرة أمراً مزعجاً للرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ اجتذبت استنكاراً دوالياً في الوقت الذي يسعى فيه البلد لاجتذاب استثمارات أجنبية ويحضّر لعقد انتخابات وطنية. كما ثارت حفيظة الجمهور من جراء قانون صدر مؤقتاً يتيح للأجانب إمضاء مدة محكوميتهم في أوطانهم أو ترحيلهم إليها. وقد أتاح هذا القانون ترحيل الصحفي الأسترالي بيتر غريتسي الذي يعمل في ‘قناة الجزيرة’. وعمد زمليه محمد فهمي، الذي يحمل الجنسيتين المصرية والكندية، إلى التخلي عن جنسيته المصرية أملاً بأن تفرج عنه السلطات مبكراً.
وقال محمد فائق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، “كون المرء مصرياً ينبغي أن يكون امتيازا لا عقوبة”، وأعرب عن امتعاضه للكيفية التي أصبحت خلالها جنسية السجناء مسألة أساسية في معاملتهم. وقد أبدى هذه التعليقات أثناء اجتماع شاركتُ فيه وحضره أيضاً جيسون ستيرن، وهو زميل باحث في برنامج الشرق الأسط وشمال أفريقيا التابع للجنة حماية الصحفيين.
إضافة إلى الحوارات التي أجريناها مع صحفيين وجماعات معنية بحرية الصحافة، التقينا أيضاً مع وزير العدالة الانتقالية، إبراهيم الهنيدي؛ والنائب العام هشام بركات؛ ومساعد وزير الداخلية لشؤون حقوق الإنسان اللواء أبو بكر عبد الكريم؛ وومساعد وزير العدل لشؤون حقوق الإنسان محدت بسيوني؛ ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد فائق؛ ورئيس نقابة الصحفيين المصريين ضياء رشوان.
تأتي هذه البعثة لمصر بعد عقد من السنين على زيارتي الأولى لمصر لدراسة قطاع الإعلام. وقد شعرت بالخيبة لأن أجد أن الصحافة المستقلة التي كانت مزدهرة سابقاً تخلت عن دورها في تحدّي الخطوط الحمراء. وقد تضاءل المجال أمام الصحافة المستقلة خلال أربع سنوات من الاضطرابات، والانشغال بقضايا الإرهاب، والمصاعب الاقتصادية، وانعدام الثقة بالإعلام من قبل السلطات والجمهور على حد سواء. كما أقرت الحكومة قانوناً للمنظمات غير الحكومية أدى إلى تقييد التمويل الأجنبي مما زاد الضغوط، إذ اضطرت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى أعادة توجيه أنشطتها أو تقييدها.
بيد أن التطورات في قضية صحفيي الجزيرة تمثل خطوة سلمية. وكان الصحفيان محمد فاضل فهمي وباهر محمد، مثل معظم الصحفيين الآخرين المحتجزين في مصر والذين يبلغ عددهم تسعة على الأقل، قد أدينا باتهامات تتعلق بممارسة أنشطة إرهابية أو بسبب تغطية أنشطة جماعة الأخوان المسلمين، والتي أعلنتها الحكومة منظمة إرهابية في عام 2013 بعد فترة وجيزة من عزل الرئيس محمد مرسي.
وقال محمد فائق، “عند مواجهة الإرهاب والعنف المنهجي من جماعة الأخوان المسلمين فمن الصعب القول ما هو صحيح وما هو خطأ”. وقد تكررت هذه النقطة في جميع اجتماعاتنا مع المسؤولين الرسميين. فالاعتقاد واسع النطاق بأن جماعة الإخوان المسلمين تمثل خطراً، وفّر تبريراً لطائفة من الإجراءات التقييدية. فعلى سبيل المثال، تُعد سيناء منطقة محظورة على الصحفيين في أغلب الأحيان بسبب العنف الذي ترتكبه الجماعة المسلحة ‘أنصار بيت المقدس’. كما أقرت الحكومة قانوناً في عام 2013 يقيد الحق في التظاهر مما أدى إلى صدور أحكام إدانة بحق عدد من الصحفيين والناشطين.
وقال وزير العدالة الانتقالية، إبراهيم الهنيدي، مازحاً أثناء اجتماعنا معه، “لا يوجد خطوط حمراء، يوجد خطوط صفراء فقط”. وأنكر الوزير إن الصحفيين يتعرضون للاحتجاز بسبب عملهم. وحاول الدفاع عما وصفه بسجن عدد قليل نسبيا من الصحفيين في مصر، وذلك من خلال مقارنته بلده بتركيا، والتي وصفها بأنها البلد التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين. بيد أن تركيا أفرجت عن عدد كبير من الصحفيين خلال العام الماضي، مما يعني أن عدد الصحفيين السجناء بمصر يفوق عددهم في تركيا بخمسة سجناء، وذلك حسب إحصاء الصحفيين السجناء الذي أصدرته لجنة حماية الصحفيين.
وظل المسؤولون الرسميون يقولون لنا إن الصحفيين يُسجنون على خلفية اتهامات جنائية وليس بسبب المواد التي ينشرونها. كما قالوا إن السلطات لم تحتجز أي صحفي دون أمر قضائي. وأضافوا بالطبع أن القضاء مستقل ولا يمكن التدخل في قراراته! إلا إن هذه التصريحات هي تصريحات جوفاء نظراً لأن السلطات استخدمت الاتهامات الجنائية لقمع التغطية الصحفية ولتقييد التغطية للاحتجاجات.
وقال لنا صحفيون وأعضاء في جماعات حرية الصحافة إن الاحتجاجات أصبحت خطرة جداً للتغطية الصحفية. ويواجه الصحفيون غير المسجلين في نقابة الصحفيين المصريين خطراً كبيراً بصفة خاصة لأنهم يفتقرون لأوراق الاعتماد التي تثبت أنهم صحفيون وليس مشاركين في الاحتجاجات. وتنشأ هذه التهديدات عن قوات الأمن والشرطة والجمهور الذي أخذت تتزايد عدوانيته نحو الصحفيين، وفقاً لما أفاد به عدة أشخاص قابلناهم وتقارير صحفية. وقال أحد مناصري حرية الصحافة، والذي يتتبع الاعتداءات ضد الصحافة وطلب عدم نشر أسمه خشية على سلامته، “أي علامة تشير إلى عملك في الصحافة تضعك في خطر”. وقال صحفيون إنه حتى استخدام دفاتر الملاحظات في الأماكن العامة قد يجتذب تساؤلات غير مرغوبة. وقالوا إن الصحفيين غالباً ما يستخدمون الهواتف الخلوية لكتابة الملاحظات في الشوارع، وذلك كي يظهروا وكأنهم يرسلون رسائل نصية هاتفية عادية.
وكان جميع الصحفيين تقريباً الذين قُتلوا أو اعتُقلوا في مصر منذ عزل الرئيس مرسي يغطون الاحتجاجات، وفقاً لأبحاث لجنة حماية الصحفيين. وقد قُتل ستة صحفيين على الأقل منذ استلم السيسي زمام السلطة في يوليو/تموز 2013. وقال مساعد وزير الداخلية لشؤون حقوق الإنسان، أبو بكر عبد الكريم، للجنةحماية الصحفيين، “عندما يكون الصحفيون واقفين خلفي أو بجانبي يمكنني حمايتهم، ولكن إذا كانوا أمامي لا يمكنني حينها حمايتهم”.
ومن بين القضايا التي أُثيرت قضية المصور الصحفي محمود أبو زيد، المعروف أيضاً باسم ‘شوكن’، ويبلغ من العمر 28 عاما، وقد اعتقل بينما كان يغطي مصادمات في 14 أغسطس/آب 2013، وظل في الاحتجاز الإداري أكثر من 500 يوم ودون توجيه أية اتهامات ضده. واعتُقل في اليوم نفسه الصحفي الأمريكي مايك غيغليو والمصور الفرنسي لويس جاميس، إلا أن السلطات أفرجت عنهما سريعاً، وفقاً لتقارير الأنباء. ولم يكن أياً من المسؤولين الحكوميين إبراهيم الهنيدي أو هشام بركات أو أبو بكر عبد الكريم على اطلاع على حيثيات هذه القضية، إلا أنهم وعدوا جميعاً بأنهم سينظرون بشأنها.
وقال محمد فائق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن الحبس الاحتياطي أصبح عقوبة بحد ذاته. وبما أنه بوسع القضاة إعادة إصدار أمر الحبس الاحتياطي، فليس هناك أية قيود على المدة التي يُحتجز فيها المرء دون توجيه اتهامات ضده. وقال محمد فائق، “إن مدة ثمانية عشر شهرا في السجن دون توجيه تهمة هي مدة طويلة جداً”، وأضاف إن المجلس القومي لحقوق الإنسان يريد تغيير القانون، ولكن يتعين عليه الانتظار حتى انتخاب برلمان جديد.
ونحن نأمل بأن المصور محمود أبو زيد، والذي يبدو أن قضيته تاهت بين قضايا آلاف الأشخاص الذين اعتقلوا أثناء التظاهرات المؤيدة لمرسي، سيُفرج عنه حالما تراجع السلطات وقائع قضيته.
ما انفكت لجنة حماية الصحفيين تعمل منذ الصيف الماضي للحصول على ترخيص من أجل إيفاد بعثة إلى مصر. وكي نتجنب منعنا من دخول الحدود (كما حدث مع موظفي منظمة هيومان رايتس ووتش ومع الباحث مايكل ديون من مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي) سعينا للحصول على تأشير سفر لرجال الأعمال، والتي صادقت عليها السلطات الأمنية. وقال لنا أبو بكر عبد الكريم بينما كنا نجلس في مكتبه في وزارة الداخلية في القاهرة يوم الثلاثاء، “هذه البعثة هي من مصلحة جميع الأطراف”.
وخلال اجتماعنا مع النائب العام هشام بركات، دعانا ودون أن نطلب أن نزور الصحفيين السجناء. وقال لنا، عبر المترجم، “نريدكم أن تروا الواقع على الأرض بأنفسكم”.
هذا العرض بتمكيننا من زيارة السجناء هو خطوة بالاتجاه الصحيح. إلا أن السلطات لم تتمكن من تنظيم الزيارة خلال هذا الأسبوع. وتنوي لجنة حماية الصحفيين متابعة هذا العرض في الفترة المقبلة.
وقال وزير العدالة الانتقالية، إبراهيم الهنيدي، للجنة حماية الصحفيين عبر المترجم، “نريد من وسائل الإعلام أن تبيّن للعالم ما تمر به مصر. ونريد أن يأتي آلاف الصحفيين لتغطية الأخبار من مصر”. وبدا أن الوزير غير قادر على فهم الأسباب التي تدفع المراسلين الصحفيين للإحجام عن العمل في مصر، إذ أخبرنا أن ثمة آلاف المراسلين الصحفيين مسجلون في مصر، لذا فإن اعتقال عدد قليل منهم لا يمثل الوضع الحقيقي.
ويشير تقرير صادر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير التي تتخذ من القاهرة مقراً لها، وكذلك الحوارات التي أجريناها مع عدة صحفيين دوليين، أن ظروف عمل المراسلين الصحفيين ازدادت سوءاً خلال حكم الرئيس السيسي.
وقال الرئيس السيسي هذا الأسبوع للصحيفة الألمانية ‘شبيغل أونلاين’ “لا يجب حصر حقوق الإنسان بحرية التعبير”، محاججاً بأن وسائل الإعلام الغربية تم التلاعب بها من قبل جماعة الأخوان المسلمين، وأنها لا تتمكن من الفصل بين تحليلها لمصر وبين سياقها الثقافي هي نفسها. وقد سمعنا وجهة نظر مماثلة من المسؤولين الذين عينهم السيسي ممن قابلناهم.
وفي حين أننا نرحب بالموافقة على مراجعة القضايا التي أثرناها، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان سينتج أي تقدم عن هذه المراجعة بوجود نمط التفكير السائد هذا. يجب القيام بعمل ملموس للإفراج عن المصور الصحفي محمود أبو زيد وسائر الصحفيين المحتجزين، وإجراء تحقيقات بشأن مقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف، والذي قُتل بالرصاص أثناء تغطيته لاحتجاجات في عام 2012، ويجب تحسين ظروف عمل الصحفيين كي يتمكنوا من العمل دون خوف.
إن رغبة المسؤولين الحكوميين للالتقاء مع لجنة حماية الصحفيين تمثل تغييراً مهماً في استعدادهم للانهماك في حوار بشأن حرية الصحافة. لكن ما يزال هناك الكثير مما يجب إنجازه، وسنواصل الضغط بهذا الاتجاه.