سوريا هي أخطر بلد في العالم للمراسلين الصحفين، ومع ذلك فإن المئات من مواطنيها يخاطرون بحياتهم لالتقاط الصور وتسجيل مقاطع فيديو وإرسال تقارير حول النزاع الأهلي. ويسعى الكثير منهم إلى إيصال تقاريرهم إلى المجتمع الدولي، في حين يرغب آخرون برفع مستوى الوعي على الأرض. ويخشى الكثيرون أنه من دون عملهم ستظل الفظائع التي تُرتكب في هذا النزاع من دون توثيق. ويقول البعض إنهم يقومون بذلك لأنه لا يوجد أي عمل آخر أثناء الحرب.
سوريا هي أخطر بلد في العالم للمراسلين الصحفين، ومع ذلك فإن المئات من مواطنيها يخاطرون بحياتهم لالتقاط الصور وتسجيل مقاطع فيديو وإرسال تقارير حول النزاع الأهلي. ويسعى الكثير منهم إلى إيصال تقاريرهم إلى المجتمع الدولي، في حين يرغب آخرون برفع مستوى الوعي على الأرض. ويخشى الكثيرون أنه من دون عملهم ستظل الفظائع التي تُرتكب في هذا النزاع من دون توثيق. ويقول البعض إنهم يقومون بذلك لأنه لا يوجد أي عمل آخر أثناء الحرب.
منذ انطلاق الانتفاضة السورية في مارس/آذار 2011، تم استهداف الصحفيين والعاملين الإعلاميين السوريين والدوليين، حسبما تُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين. وقد قُتل ما لا يقل عن 63 صحفيا بسبب عملهم، إضافة إلى ما يقارب 30 صحفياً آخر ما زالوا في عداد المفقودين، وذلك لغاية نهاية عام 2013. وكانت حكومة الرئيس بشار الأسد ومنذ مرحلة مبكرة قد منعت عمل الصحافة الدولية في سوريا، في حين عمدت قوات الأمن إلى اعتقال عشرات الأشخاص من جامعي الأخبار وعاملتهم بقسوة. وشنت قوات الثوار هجوماً معاكسا – إذ استهدفت الصحفيين ووسائل الإعلام التي تعتقد أنها مؤيدة للحكومة. وبحلول أواخر عام 2011، واجه الصحفيون جبهة ثالثة مع ظهور جماعات إسلامية مقاتلة من غير السوريين في ساحات المعارك والتي اعتدت على صحفيين واختطفتهم وقتلتهم.
نشأت حركة محلية للصحافة المستقلة في وسط هذه الفوضى، وتُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن عشرات وسائل الإعلام السورية تعمل على الأرض، ولكن ليس هناك أرقام موثقة حول عددها. وقال موفق صفدي، وهو صحفي سوري يعيش في المنفى في تركيا، “قبل الثورة لم يكن يوجد سوى رواية صحفية واحدة: وهي الرواية التي يرغب النظام بنشرها. أما الآن، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام ليست جميعها مهنية، إلا أنه على الأقل بدأت تظهر روايات أخرى”.
ورث الرئيس السوري منصبه من والده، حاكم سوريا المستبد حافظ الأسد، الذي حكم سوريا كرئيس منذ عام 1971 وحتى وفاته في عام 2000. وحتى ذلك الوقت، كانت وسائل الإعلام الوحيدة التي تسمح لها الحكومة بالعمل هي وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة أو المرتبطة بحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم. وعندما تسلم الأسد الابن مقاليد السلطة، ظهرت آمال في البداية أن تغييراً سيحدث، وبدأت الصحافة المحلية خطواتها الأولى المترددة نحو استقلال أكبر وتوجيه نقد مفتوح أكثر. ومع ذلك، أقرت السلطات في عام 2001 قانون الصحافة الذي سمح بالمطبوعات الخاصة (التي كانت ممنوعة منذ عام 1963)، إلا أنه حافظ على قيود مشددة. وهو يتطلب من جميع المطبوعات الخاصة الحصول على ترخيص من الحكومة، ويمنعها من إيراد تغطية صحفية حول شؤون الجيش أو موضوعات يمكنها “إلحاق الضرر” بالأمن القومي أو “الوحدة الوطنية”. ويواجه منتهكو القانون عقوبة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات وغرامات باهظة.
ومع وجود هذه القيود، بدأت بعض المواقع الإلكترونية المستقلة تزدهر في بدايات العقد الماضي، وفقاً لمسعود أكو، وهو سوري يعمل في مراقبة الحريات الصحفية في سوريا من مقره في النرويج، ويصف نفسه بأنه ناشط إعلامي. وقال أكو عبر مقابلة هاتفية، إن تلك المدونات المبكرة ركزت على الأخبار العامة والشؤون السياسية. وقال، “لقد استخدمها الناس كي يعبروا عن آرائهم”. بيد أن الحكومة أخذت بالتضييق على المعارضة عبر المواقع الإلكترونية، وحجبت المواقع الحساسة سياسياً، واعتقلت مدونين. وأصبحت الرقابة الذاتية واسعة النطاق بين أصحاب المواقع الإلكترونية، وفي عام 2009 صنّفت لجنة حماية الصحفيين سوريا في المرتبة الثالثة على قائمة أسوأ 10 بلدان في العالم للمدونين.
ثم أتت حماسة الربيع العربي. وعندما بدأت المعارضة المتصاعدة تظهر في سوريا – التي ألهمت تظاهرات عامة هائلة في النصف الأول من عام 2011 – بدأت تظهر وسائل إعلام مستقلة مرتجلة. ولكن لم يكن جميع العاملين فيها من المحترفين، بل قال معظهم بإنهم مواطنون دفعتهم الثورة للقيام بهذا العمل، أو إنهم ثوار يقومون بدور جامعي الأخبار كمساهمة في التغيير السياسي في سوريا. ويطلقون على أنفسهم وصف مواطنين صحفيين، أو عاملين إعلاميين، أو نشطاء إعلاميين.
وقال موفق صفدي للجنة حماية الصحفيين، “لقد كانت الثورة لحظة عاطفية جداً للجميع، بمن فيهم أنا، وكان من الطبيعي أن يرغب المرء بالانضمام للتظاهرات. وقررت أن أبدأ بتصوير الاحتجاجات إذ أن ما تعرضه وسائل الإعلام الحكومية هو أمر تافه، بل مهين. وكان التصوير هو المسار الطبيعي بالنسبة لي لنشر قصة ما يحدث. لذا بدأت بالتصوير وتحميل المقاطع التي أصورها على موقع يوتيوب”.
توجه المراسلون الصحفيون الدوليون بأعداد كبيرة إلى سوريا عند تصاعد الاحتجاجات الأولى. ولكن بحلول نهاية آذار/مارس 2011 بدأت الحكومة بتشديد قبضتها فطردت الصحفيين ومنعت آخرين من دخول البلد، وأجبرت وسائل إعلامية على إيقاف عملها، مما جعل السوريين أكثر لهفة على نشر الأخبار.
وشرع العديد من السوريين، الذين لا يمتلكون سوى قدرات إعلامية محدودة مثل موفق صفدي، إلا أنه لديهم قدرة لاستخدام الهواتف الخلوية والكاميرات وشبكة الإنترنت، شرعوا يرتجلون العمل كصحفيين. وفي مارس/آذار 2011، كان عمر الخاني قد عاد للتو إلى سوريا بعد سنوات أمضاها في الخارج وكان يأمل أن يؤسس شركة للتسويق. وقال للجنة حماية الصحفيين إنه مع خروج التظاهرات الأولى في الحي الذي يسكنه في دمشق، كانت استجابته العفوية الأولى هي أن يلتقط الصور. ولاحقاً أنشأ صفحة على موقع فيسبوك وكرسها لتوثيق الانتفاضة السورية. وقال عمر الخاني، “لقد بدأت وحيداً. ولكن ليس بوسع شخص واحد أن يغطي كل شيء، لذا طلبت من أصدقائي الذين يمتلكون مهارات أن يساعدوني، وإذ أخذت الأمور تتسع نطاقاً، أسسنا اتحاداً للأشخاص الذين يعملون مع الثورة وينسقون التظاهرات، كي نقوم نحن بتغطية ما يحدث”.
بدأت تظهر عشرات من المجموعات الشبيهة في جميع أنحاء سوريا، حسبما أوردت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ في يونيو/ حزيران 2011. وقد نشأ معظمها كجماعات تركز على وسائل التواصل الاجتماع وتعمل على تنظيم التظاهرات. ولكن تنامت الحاجة إلى نشر المعلومات بين السوريين وإلى العالم الخارجي، في البداية بشأن الاحتجاجات ولاحقاً بشأن ممارسات القمع الحكومية، لذا تحولت هذه المجموعات إلى وكالات إعلام بحكم الأمر الواقع، وظلت منهمكة بقوة في الشؤون السياسية للثورة.
واصلت هذه التحالفات غير الرسمية، والمعروفة أيضاً باللجان التنسيقية، والمراكز الإعلامية، والمراكز الصحفية، أو الاتحادات الإعلامية، عملها في أجزاء من سوريا. ويقوم الصحفيون العاملون مع المراكز الإعلامية بنشر المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو يرسلون المواد الصحفية إلى إذاعات عبر الإنترنت أو مدونات سورية مستقلة. وتتمكن بعض المراكز الإعلامية التي تعمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة من نشر مجالات مخصصة تحتوي على معلومات موجزة حول النزاع، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وأخبار عامة. وتقوم بطباعة 300 نسخة في كل مرة، وتوزعها بصفة غير منتظمة. ويعمل صحفيون سوريون آخرون بصفة مستقلة عن المراكز الإعلامية، ويرسلون المواد الإخبارية بصفة مباشرة إلى وسائل الإعلام الدولية والسورية الموجودة في الخارج.
******
ظلت المراكز الإعلامية تعمل بطريقة لامركزية وغالباً بصفة مستقلة ذاتياً. ويقوم العاملون بمهماتهم من مباني سكنية، ويستخدمون عدداً قليلاً من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والكاميرات والطابعات والوسائل الضرورية التي يحتاجونها للوصول إلى شبكة الإنترنت. وقال رامي جراح، وهو صحفي حائز على جائزة ويشارك في إدارة مجموعة المواطنين الصحفيين ‘المؤسسة الإعلامية راديو أنا’، “ليس من الصعب أن تحصل على مثل هذه الأدوات، إلا أن العمل بها يمثل خطراً”.
ليس من الواضح دائماً من أين يأتي الدعم المالي لوسائل الإعلام والمراكز الإعلامية السورية. ويُعتقد أن بعض الدعم ياتي من منظمات دولية، وحكومات أجنبية، وتبرعات فردية. ويقول رامي جراح إن المانحين الشخصين هم سوريون يعيشون في الخارج أو أشخاص من الدول المجاورة يقدمون مبالغ صغيرة لتغطية كلفة إعداد وصلات ساتلية للإنترنت وتشغيلها، كما ثمة أشخاص يتبرعون مباشرة عبر تقديم أجهزة كمبيوتر محمولة وكاميرات ومعدات أخرى.
ومع دخول الحرب في عامها الثالث، تضاعفت المخاطر التي يواجهها الصحفيون منذ ظهور المراكز الإعلامية الأولى في ربيع عام 2011. فحينها كان يبدو أن حكومة الأسد هي العقبة الرئيسية أمام هؤلاء الذين يسعون إلى توثيق الانتفاضة. أما الآن، فإن نوع المخاطر التي يواجهها الصحفيون يومياً تختلف اعتماداً على مكان وجودهم وأي فصيل مسلح يسيطر على المنطقة، حسبما تقول رزان غزاوي، وهي تدير مدونة في سوريا وقامت سابقاً بتنظيم حملات بشأن حرية الصحافة. وقد اعتُقلت في عام 2011 بسبب كتاباتها كما اعتقلت في عام 2012 بسبب نشاطها في الدفاع عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
ووفقاً لرزان غزاوي، المولودة في الولايات المتحدة، ثمة اضطرابات مستمرة إذ تناور الجهات المتقاتلة العديدة في الثورة لإحكام سيطرتها. ووفقاً لرامي جراح، “ثمة تغييرات على الأرض تجري باستمرار. وفي كل يوم هناك عدة معارك تدور، وفي نهاية اليوم تكون كل معركة قد غيرت شيئاً ما. لذا فمن المستحيل معرفة مَن يسيطر على ماذا”.
وتقول رزان غزاوي، أنه يظل من المستحيل تقريباً على الصحفيين المستقلين العمل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. فالحكومة تسيطر على كل شيء، بما في ذلك الاتصالات والشوارع. ويقول رامي جراح، “لا يمكنك أن تستخدم كاميرا في الشارع أو أن ترفع هاتفك الخلوي، فالتأهب الأمني عالي ويمكن أن يتم اعتقالك. أما المواطنون الصحفيون الذين يتعرضون للاعتقال، فلا نسمع منهم بعد ذلك أبداً”. يقوم الصحفيون الموجودون في تلك المناطق بعملهم بسرية شديدة، ويرسلون تقاريرهم إلى خارج سوريا عبر قنوات اتصال متنوعة.
وأفاد رامي جراح للجنة حماية الصحفيين أن العديد منهم لديهم روابط أو وظائف مع الحكومة، ويرسلون تقاريرهم سراً، ويتمثل هدفهم في “الكشف عن الجرائم التي يرتكبها النظام، فالمعلومات التي لديهم أثرها كبير”.
ولكن ما يزال من الصعب جداً على الصحفيين الدوليين دخول سوريا. وقد سمحت حكومة الأسد لعدد أكبر من المراسلين الصحفيين الأجانب بدخول سوريا بعد موافقتها على الخطة الروسية-الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2013 لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية لتجنب غارات جوية أمريكية. أما تحديد هوية الصحفيين الذين يسمح لهم بدخول البلد، فيظل أمراً اعتباطياً وشخصياً. كما أن الغالبية العظمى ممن حصلوا على تأشيرات سفر يعملون تحت رقابة مستمرة وقيود مشددة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وما يزال عدد قليل من الصحفيين الأجانب يتسللون عبر الحدود ويقومون بالتغطية الصحفية دون ترخيص.
ووفقاً لرزان غزاوي، فإن الصحفيين الذين يعملون في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، والتي تطلق عليها وآخرون “المناطق المحررة”، فيتمتعون بأكبر قدر من الحرية في العمل، ولكنهم يعملون تحت التهديد المتواصل للقصف وأشكال أخرى من الهجمات التي لا تمييز بين المدنيين والمقاتلين. وتواصل المراكز الإعلامية العمل في تلك المناطق، وغالباً بحماية سلطات الثوار. إلا أنه لا يتم التسامح دائماً مع النقد المفتوح لجماعات الثوار وتصرفاتها، وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين عدة اعتداءات على صحفيين ووسائل إعلام يعتبرون مؤيدين للحكومة. ويقول رامي جراح إن درجة التسامح التي يبديها مقاتلو الجيش السوري الحر تعتمد على الكتيبة المعنية.
وكذلك هناك عدة مسارح لمعارك متعددة لا تقتصر على القتال بين القوات الحكومية وقوات الجيش السوري الحر للسيطرة على المناطق المختلفة، فثمة جماعات خارجية مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام المرتبطة بتنظيم القاعدة. ويقول صحفيون أنه من الصعب جداً إيراد تغطية إخبارية في مناطق تشهد معارك مستمرة ونقص واضح في الهياكل الأساسية. ووفقاً لرزان غزاوي، عادة ما يفقد الصحفيون الذين يعملون في تلك المناطق معداتهم (أجهزة الكمبيوتر المحمولة، ومعدات الوصول إلى شبكة الإنترنت) بسبب القصف، أو إنهم يُجبرون على تركها وراءهم عندما يضطرون لتغيير مواقعهم بسرعة.
أما المناطق المتنازع عليها والتي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة، ولو لفترة مؤقتة، فهي خطرة بصفة خاصة. فقد تعرض صحفيون سوريون وأجانب بصفة مستمرة للاختطاف والمعاملة القاسية. ويقول رامي جراح “في المناطق التي تتواجد فيها جماعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام، فإن الظروف مشابهة تماماً للمناطق التي يسيطر عليها النظام”. وكانت الوكالة الإخبارية التي يعمل فيها رامي جراح قد تعرضت للاستهداف وتم اختطاف أحد العاملين فيها. وقال رامي جراح “تظل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أكثر خطورة على المواطنين الصحفيين، إذ أن قوات الدولة الإسلامية في العراق والشام والجماعات الأخرى لا تقوم باعتقال جميع الصحفيين، وإنما تميّز بناءً على التفريق بين من يهاجمها ومن لا يهاجمها، ولكن قوات النظام فلا تفرّق”.
ويقر الناشط الإعلامي مسعود أكو بأن الوضع الأمني يختلف من منطقة إلى أخرى، إلا أنه يقول أن الشواغل الأخرى هي ذاتها في جميع المناطق. وأحد هذه الشواغل هو استلام الأجر. فالصحفيون الذين يعملون مع المراكز الإعلامية نادراً ما يحصلون على أجر، بل أنهم ينشرون المواد والمعلومات التي يجمعونها على شبكة الإنترنت من دون مقابل. وهناك صحفيون آخرون ممن اكتسبوا خبرة أكبر يعملون كصحفيين مستقلين ويقدمون ما يجمعونه من معلومات مقابل أجر إلى وسائل الإعلام الإقليمية أو السورية الموجودة في الخارج. ووفقاً لمسعود أكو، هؤلاء الصحفيون يعملون مقابل مبالغ ضئية. وهو يقدّر أن وسائل الإعلام السورية المستقلة ووسائل الإعلام العربية الإقليمية تدفع للصحفيين الأفراد مبلغ 50 دولار أمريكي عن كل مقال، وبصرف النظر عن الوضع الأمني. ووفقاً للصحفية الإيطالية فرانسيسكا بوري، فإن الصحفيين المستقلين الذين يخاطرون بالتسلل إلى البلد فيحصلون على 70 دولار أمريكي لكل مقال. ويقول أكو، الحقيقة أن معظم الصحفيين السوريين الذين يعملون على الأرض لا يحصلون على أجر.
تؤثر الشواغل الأمنية الأساسية ذاتها على معظم الصحفيين، لذا يظل المتطلب الأكبر للصحفيين في سوريا هو القدرة على تغيير الموقع بسرعة كبيرة لتجنب الوقوع في الأسر أو السجن، أو حتى القتل. وأشار العديد من الصحفيين الذين تحدثت لجنة حماية الصحفيين معهم إلى الاعتداء الذي حدث في فبراير/شباط 2012 على مركز صحفي في حمص وذهب ضحيته الصحفية الأمريكية ماري كولفن والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، ووصفوا هذا الاعتداء بأنه شكّل نقطة تحول. وعلى الرغم من أن مقتل الصحفيين حدث في اليوم التاسع عشر من قصف متتابع من قوات الأسد على حي بابا عمرو، إلا أن العديدين يعتقدون أن الاعتداء الذي وقع ضحيته الصحفيان لم يكن مصادفة، وإنما نتيجة لهجوم متعمد على الصحفيين الذين كانوا مختبئين في مكتب مرتجل. وتتنوع التوقعات بشأن ما إذا كانت الهواتف التي تعمل عبر الأقمار الصناعية أم إشارات الإنترنت في المركز هي ما ساعد على تحديد الموقع بدقة. ولكن بالنسبة لوسائل الإعلام المحلية، فقد كان الدرس واضحاً: إذ يمكن للوسائل التكنولوجية أن تنشر الأخبار إلى الخارج، إلا أنها قد تترك وراءها أثراً واضحاً وخطيراً.
ويقول رامي جراح، إن “الدروس الصعبة” مثل الذي حدث في بابا عمرو تشكل التوجيهات غير الرسمية لعمل الصحافة المستقلة في سوريا. وقال للجنة حماية الصحفيين إن الصحفيين “يتعلمون كيف يعملون من خلال مسار تعليم صعب، فعندما يرون زملاءهم يُعتقلون بسبب خطأ وقعوا به، فإنهم يتجنبون تكراره”.
ويتفق مسعود أكو مع الرأي بأن الأخطاء كانت لغاية الآن هي وسيلة التعلم الأكثر فاعلية، إلا أن الصحفيين قاموا أيضاً بتنظيم دورات تدريبية عبر الإنترنت أو وجهاً لوجه. وخلال هذه الدورات، يقوم الصحفيون الذين يمتلكون خبرة أكبر بتقديم معلومات أساسية للصحفيين الجدد. وتختلف هذه الدورات في جودتها، وفقاً لمسعود أكو، وهو صحفي محترف وعضو ناشط في رابطة الصحفيين السوريين التي تأسست عام 2012 لبناء استقلال الصحافة ومراقبة حرية الصحافة في سوريا.
تركز معظم التدريبات على الأمن الرقمي والأمن الجسدي، ولكنها قد تتضمن أيضاً معلومات حول الأخلاقيات الصحفية، وأسلوب الكتابة، وزوايا التصوير. وعلى الرغم من الجهود حسنة النية، يعتقد أكو أن هذه الدورات التدريبية غير كافية لتعزيز أنشطة جمع المعلومات التي تجري في سوريا.
قامت منظمات غير حكومية دولية بتنظيم ورشات عمل تدريبية خارج البلد، وتناولت العديد من الموضوعات. ومع ذلك، أعرب صحفيون تحدثت معهم لجنة حماية الصحفيين عن شكهم بأن هذه التدريبات تؤدي إلى أثر حقيقي، وهم قلقون بصفة رئيسية من أن المعرفة التي يكتسبها الصحفيون والنشطاء في المنفى، إضافة إلى ما يكتسبه بعض الصحفيين الذين يسافرون للمشاركة في التدريبات، تظل خارج سوريا. وقال عمر الخاني، متخصص التسويق الذي تحول إلى راوي لتسلسل أحداث الثورة، “ثمة شيء خاطئ في تنفيذ التدريبات، إذ دائماً يشارك فيها الأشخاص أنفسهم، والأشخاص أنفسهم يحضرونها. لذا فهناك مشكلة حقيقية لأن المعلومات لا تصل إلى الناس الذين يحتاجونها بالفعل”.
وبصفة عامة، يقول الصحفيون السوريون إن جهود المجتمع الدولي لدعمهم ظلت دون المستوى المطلوب. ويقول مسعود أكو، “الصحفي يظل صحفياً بصرف النظر ما إذا كان سوريا أم هولنديا أم فرنسيا أم أمريكيا. ولا أحد يتحدث فعلاً حول صحفيينا، ويجب إيلاء مزيد من التركيز على وضع الصحفيين الذين يعملون داخل سوريا”. وعلى الرغم من أن أيٍ من الصحفيين الذين قابلتهم لجنة حماية الصحفيين لم يقدم مقترحات محددة، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على وجوب أن يكرس المجتمع الدولي مصادر أكثر لدعم العمل الذي يقوم به الصحفيون السوريون.
ومن المشاكل الإضافية التي تواجه التطوير المهني للصحافة السورية المستقلة، حسبما ذهب إليه أكو، هو الخروج المستمر للصحفيين ذوي الخبرة، والعديد منهم عملوا في السابق لوسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. ومنذ بدء النزاع، قام عدد كبير من الكتاب ومذيعي الأخبار وغيرهم من العاملين الإعلاميين الذين عملوا في وسائل الإعلام التي تسيطرة عليها الحكومة، وبالتالي خرج معهم قدر كبير من المعارف والخبرة. وحسب إحصاء لجنة حماية الصحفيين، قام أكثر من70 صحفي سوري بمغادرة البلد منذ عام 2011، إلا أن جهات أخرى وضعت تقديرات أعلى.
قام العديد من الصحفيين ممن عملوا سابقاً في وسائل الإعلام الحكومية بترك عملهم والانضمام إلى وسائل إعلام مستقلة أو أجنبية، وهذا ما فعلته الصحفية رانيا بدري التي كانت تستضيف برنامجاً إذاعياً صباحياً في محطة إذاعية تملكها أسرة الأسد. غادرت رانيا بدري البلد بعد فترة وجيزة من استقالتها من عملها وبدأت محطة إذاعية مستقلة لم تستمر طويلاً وكانت تغطي الأخبار السورية من الخارج. وقد تم إغلاق هذه الإذاعة بسبب التهديدات المتواصلة. وهي تعيش حالياً في باريس وتوقفت عن العمل في الصحافة.
ومن بين الذين أُجبروا على مغادرة البلد مواطنون صحفيون، وفر معظمهم عبر الأردن ولبنان أو مصر واستقروا في تركيا، وهناك ظل وضعهم القانوني غامضاً. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2011، مددت الحكومة التركية “الحماية المؤقتة” إلى جميع اللاجئين السوريين، إلا أن الصحفيين الموجودين هناك قالوا إنهم يعيشون في وضع ملتبس، ومن غير الواضح إلى متى ستستمر الحماية الرسمية للاجئين.
ويبدو أيضاً أن معظم العاملين في الصحافة الدولية غادروا سوريا أيضاً. فبعد عدة عمليات قتل ذهب ضحيتها صحفيون وسلسلة من عمليات الاختطاف، والتي شهدت زيادة حادة في عام 2013، انخفض عدد الصحفين ووسائل الإعلام المستعدين للمخاطرة من أجل إيراد تغطية إخبارية من سوريا. وقامت الجماعات الإعلامية الدولية غير الحكومية، مثل صندوق روري بيك الذي يتخذ من لندن مقراً له، بنشر بيانات تحذيرية تحث الصحفيين المستقلين الدوليين على البقاء بعيدا عن سوريا. كما أعرب صحفيون علناً عن تشككهم ما إذا كان إيراد الأخبار يستحق المخاطرة بحياتهم. وقال المصور الصحفي الحائز على جوائز صحفية، خافيير مانزانو، لصندوق روري بيك في أغسطس/آب 2013 “سيكون مما ينافي الحصافة (في أفضل الأحوال) وأمراً غير مسؤول (في أسوأ الأحوال) أن يتوجه صحفي مستقل إلى داخل سوريا في هذا الوقت”.
ومع ذلك، ومع انسحاب الصحفيين الأكثر خبرة من الميدان، يتواصل ازدياد عدد الأشخاص الذين يغطون الأخبار من سوريا وعدد وسائل الإعلام التي تنشر المعلومات. وقال جميع الصحفيين الذين قابلتهم لجنة حماية الصحفيين إنه لا توجد أية طريقة لتحديد عدد وسائل الإعلام السورية الموجودة حالياً. ويتضمن المشهد العام مئات المحطات الإذاعية التي تبث عبر شبكة الإنترنت، وعدد قليل من الإذاعات التي تستخدم التضمين الترددي (FM)؛ وأكثر من عشرة صحف وعدد قليل من المجلات التي تنشر بصفة غير رسمية داخل سوريا بمساعدة من اللجان المحلية أو جماعات الثوار؛ وعدد كبير من المواقع الإلكترونية والمدونات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. وثمة تنوع كبير في جودة المحتويات والتحليل كما تتنوع ارتباطاتها السياسية.
قام العديد من وسائل الإعلام التي نشأت في المراحل المبكرة للثورة بنقل عملياتها إلى الخارج، وغالباً إلى جنوب تركيا، وذلك لأسباب أمنية. ومن خلف الحدود تتوفر للمجموعات، مثل “راديو أنا” التي يعمل فيها رامي جراح، وللصحفيين الأفراد إمكانية وصول سهلة إلى معلومات من مصادر في داخل البلد ومن التدفق المستمر للاجئين. والشيء الأهم، أنهم في موقع يتيح لهم دخول البلد بسرعة وإيراد تغطية إخبارية من داخله.
عمل عمر الخاني من جنوب تركيا لعدة أشهر. وقال للجنة حماية الصحفيين إنه غادر دمشق متوجها إلى أنقرة في تركيا في مارس/آذار 2013 مع تفاقم الأزمة في العاصمة. وفي ذلك الوقت، حازت الصور التي يلتقطها على بعض الاهتمام، وبدأ بالتعامل كمصور حر مع وكالات مثل رويترز وديموتكس وغيرها. ويقول الخاني إنه يتمكن بسهودة من دخول سوريا انطلاقا من تركيا في كل أسبوع كي يقوم بتغطيته الإخبارية.
ويقول الخاني أنه يوفر خدمات إضافية إلى آخرين ممن يقدمون الدعم للثوار، وفي أغسطس/آب 2013، وافق على مساعدة منظمة دولية على تهريب معدات إلى داخل سوريا تُستخدم للوصول إلى شبكة الإنترنت. وفي طريق عودته أوقفته مجموعة مسلحة خارج حلب، وتم احتجازه لمدة 35 يوماً على يد مقاتلين يشبته بانتمائهم للدولة الإسلامية في العراق والشام. وقال الخاني خلال مقابلة جرت معه عبر الهاتف، “وجهوا إلي خمس اتهامات، أولها القيام بالتصوير؛ والثانية مساعدة الصحفيين الأجانب، الكفار، على دخول البلد؛ والثالثة أنني من عبدة الشيطان بسبب مقاطع فيديو عثروا عليها في جهاز الكمبيوتر المحمول الذي كان بحوزتي؛ والرابعة تهمة الزنا لأن زوجتي مسيحية؛ والخامسة عدم تقديم الدعم للدولة الإسلامية. وفي كل مرة وجهوا لي فيها تهمة كانوا يقومون بتعذيبي”.
وقال الخاني أنه على امتداد فترة اختطافه، قام الآسرون بجلده مراراً وهددوه بعنف أسوأ. وقال إنهم صادروا جميع ما كان بحوزته، بما في ذلك جهاز كمبيوتر محمول، وكاميرا، وجهاز آي باد، ومبلغ من المال. وعندما تم الإفراج عنه في نهاية المطاف، وضع المسلحون عصابة على عينيه واقتادوه إلى الحدود التركية حيث أمروه بركوب باص سيغادر سوريا. وقال الخاني، “لم يبينوا سبب الإفراج عني، ولكنهم طبقوا عليّ الشريعة الإسلامية، وصادروا كل ما كنت أحمله، لذا لم يعد بوسعي العمل بعد ذلك”.
تنزع معظم وسائل الإعلام التي تعمل في الخارج إلى الاعتماد على شبكة من الصحفيين في داخل سوريا. ووفقاً لرامي جراح، تتكون شبكة مراسلي ‘راديو أنا’ من أصدقاء وأصدقائهم، أو أصدقاء أقاربه ممن بوسعهم توفير معلومات حول الأحداث اليومية في أحيائهم. ويقول رامي جراح “نحن نبحث عنهم، وهم لا يبحثون عنّا، إذ توجد وسائل إعلام عديدة تتنافس للتعاون معهم. فنحن نسعى للعثور عليهم، ونقوم بفرزهم والتمحيص بشأنهم، ثم نقرر ما إذا سنأخذ معلومات منهم”. ويقول إن أحد الصفات الرئيسية التي يبحثون عنها هي الموضوعية، لذا تفضل الإذاعة التعامل مع مراسلين غير مرتبطين بالشبكات السياسية، أو نشطاء ليس لهم روابط حقيقية مع الثورة.
ويقول آخرون إنه من الصعب جدا العثور على أشخاص يتميزون بالموضوعية عندما يكون الأشخاص الذين يغطون الحرب السورية هم أنفسهم الذين يعيشونها منذ عدة سنوات. وقال موفق صفدي في مقابلة جرت مع في إسطنبول عبر موقع سكايب، “الأشخاص الذين يعملون حالياً هم خليط من أشخاص يعانون أيضاً ولهم تطلعات شخصية، ويواجهون ظروفا شخصية، وكل ذلك يظهر في عملهم. وعلى الرغم من أنهم مدفوعون بتوفير الملعومات الأساسية من داخل سوريا، إلا أنهم منكشفون عاطفياً، وهم مرتبطون بما يحدث بصفة شخصية. ومن الصعب التحلي بالموضوعية المطلوبة لإيراد الأخبار”.
ساهم في التغطية دانيل ديفريا، زميل في برنامج ستيغر للتدريب 2013-2014 التابع للجنة حماية الصحفيين، وجيسون ستيرن، وهو موظف أبحاث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للجنة حماية الصحفيين.
ماريا سالازار-فيرو، تعمل في حملة مكافحة الإفلات من العقاب وبرنامج مساعدة الصحفيين التابعين للجنة حماية الصحفيين، وتغطي شؤون الصحفيين الذين يعيشون في المنفى والصحفيين المفقودين، وقد مثلت لجنة حماية الصحفيين في بعثات لتقصي الحقائق في المكسيك والفلبين ومناطق أخرى.