نتهت في أواخر العام الهدنة الهشة التي استمرت مدة ستة أشهر، حيث أطلقت حماس هجمات صاروخية على إسرائيل، والتي تم الرد عليها بأعنف قصف شهده قطاع غزة منذ عام 1967. وقد أسفر القصف إلى تدمير مقر تلفزيون الأقصى الذي تسيطر عليه حماس، وقد أصيب اثنان من الصحفيين على الأقل وسط ضربات جوية واسعة النطاق من جانب قوات الدفاع الإسرائيلية. وبينما كانت بدايات عام 2009 على الأبواب، كانت الغارات قد أسفرت عن مقتل المئات بينما كانت إسرائيل تتأهب لشن هجوم بري على قطاع غزة.
ولم ترد أي أنباء عن وقوع قتلى في غارة يوم 28 كانون الأول/ديسمبر التي استهدفت محطة تلفزيون الأقصى. واستمرت المحطة – التي كانت قد أجلت موظفيها في اليوم السابق – تواصل البث من موقع بعيد. ومن جانبها أرسلت لجنة حماية الصحفيين رسالة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك تطلب تفسيرا لهذا الهجوم، وأشارت إلى أن القانون الدولي يحمي المنشآت الإعلامية خلال العمليات العسكرية. ولم تستجب الحكومة على الفور. وفي هجمات جوية منفصلة للجيش الإسرائيلي أصيب إيهاب الشوا، وهو مصور لوكالة أنباء رامتان كان يقوم بالتصوير خارج مركز شرطة العباس في مدينة غزة، وأصيب كذلك مصطفى بكير، وهو مصور بقناة الأقصى يعمل في رفح.
وبينما استمرت حملة القصف الجوي صنفت السلطات الإسرائيلية أجزاء من غزة، ولا سيما الأجزاء الشمالية للقطاع على الحدود مع إسرائيل كـ “مناطق عسكرية مغلقة”. وقال المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي إن المناطق العسكرية المغلقة تمتد لميلين داخل الأراضي الإسرائيلية، الامر الذي يحول دون قيام الصحافة المحلية والأجنبية من إعداد تقارير عن التطورات في القطاع و جنوب اسرائيل. يأتي هذا الإجراء في أعقاب قرار في تشرين الثاني/نوفمبر يمنع الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة وقرار آخر منذ عامين بمنع الصحافيين الإسرائيليين من التغطية في تلك المناطق. ولا تترك قرارات الحظر هذه المجال إلا للصحفيين الفلسطينيين في غزة وعدد قليل من المراسلين الأجانب الموجودين في غزة قبل بدء الحظر.
وفي نيسان/ابريل لقي أحد الصحفيين مصرعه في غزة أيضا. فلقد لقي مصور رويترز فضل شناعة مصرعه بينما أصيب فني الصوت وفا أبو مزيد بجروح بعد أن أوقفا السيارة التي كانت تقلهما لتصوير القوات العسكرية الإسرائيلية من على بعد نحو بضع مئات من الأمتار. وكان شناعة يصور باستخدام كاميرا مثبتة على قائم ثلاثي عندما أطلقت دبابة إسرائيلية نيرانها على الرجلين. وقتل أيضا ثمانية من المارة ، معظمهم أطفال دون سن 16 عاما. كان المصور يرتدي سترة واقية من الرصاص تحمل كلمة “صحافة”، وكان قد ترجل- وزميله – من عربة جيب تحمل علامة مكتوب عليها “تلفزيون”- أجرى الجيش الإسرائيلي لاحقا تحقيقا حول الحادث، انتهى إلى تبرئة الجنود المسئولين عن عملية القتل، قائلا إنهم تصرفوا بشكل لائق. وكتب المدعي العام العسكري أفيهاي مندلبليت معلقا على الحادث بقوله: “إن طاقم الدبابة لم يتمكن من تحديد طبيعة الجسم المثبت على القائم الثلاثي، ولم يستطع الجزم بما إذا كان مدفع صواريخ مضادة للدبابات، أو مدفع الهاون، أو كاميرا تلفزيونية”.
وفي مجلة لجنة حماية الصحفيين “مهمات خطرة”، كتب مدير مكتب رويترز ألستير ماكدونالد: “تطلب الوصول إلى هذا القرار «المعقول»، من طاقم الدبابة أن لا يروا العلامة المكتوب عليها «تلفزيون» الملصقة على سيارته الجيب بينما تحرك بها مرتين على طول الطريق الذي كانوا يرصدونه بمعدات رؤية عالية التكنولوجيا خلال نصف الساعة السابقة، وكذلك تطلب وصولهم لهذا القرار أن يقرروا أن سترة فضل الواقية «تشبه مع ما يرتديه الإرهابيون الفلسطينيون»، وكذالك ألا يستوعبوا حقيقة أن كان وقوفه أمامهم، على بعد نحو ميل، لمدة أربعة دقيقة مما يدل على أنه ليس تهديدا، وأيضا ألا يكترثوا بوجود مايزيد عن عشرين طفلا يلعبون من خلفه”.
تأتي وفاة شناعة لتؤكد الخطر الدائم على الصحفيين الذين يغطون المناطق الحدودية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية. فلقد لقي تسعة صحفيين على الأقل مصرعهم في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 2001، ثمانية منهم في هجمات لجيش الدفاع الإسرائيلي، وفقا لأبحاث لجنة حماية الصحفيين. ولقد وجدت لجنة حماية الصحفيين أن التحقيقات العسكرية الإسرائيلية التي تجرى في أعقاب هذه الوفيات، تتم بصورة يشوبها انعدام الشفافية والمساءلة.
ويقول الصحفيون الذين يعملون في الأراضي الفلسطينية إن تجاهل الجيش الإسرائيلي الواضح لتأمين الصحافة يضر قدرتهم على العمل. أما الصحفيون الذين يغطون التظاهرات التي تخرج بسبب بناء إسرائيل للجدار الأمني العازل في الضفة الغربية يجدون أنفسهم معرضين للخطر بشكل خاص. في 18 نيسان/ابريل في بيلين في الضفة الغربية، أصيب مصور رويترز عمار عوض برصاصة مطاطية أطلقها أحد ضباط الحدود يقف على بعد 100 متر فقط، وفقا لما أكده نائب رئيس مكتب رويترز جوليان ريك. كانت ثمة مظاهرة يتم الترتيب لها في وقت لاحق من ذلك اليوم، ولم تكن قد بدأت بعد عندما تم إطلاق الرصاص على المصور عمار عوض، الذي كان يرتدي سترة واقية من الرصاص تعرف بوضوح هويته الصحفية. ويقول العديد من الصحفيين أن السلطات في بيلين استهدفت الصحافة بالرصاص المطاطي وقنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع لمنعهم من تغطية المظاهرة، ولمنع المتظاهرين من جذب اهتمام وسائل الإعلام، وفقا لتصريحات ستيف جاتكين رئيس رابطة الصحافة الأجنبية. ومن جانبهم قال متحدثون باسم قوات الدفاع الإسرائيلية للجنة حماية الصحفيين أنه ليس من سياستهم استهداف الصحفيين.
و تعرض الصحفيون الفلسطينيون للتحرش على المعابر الحدودية الإسرائيلية ونقاط التفتيش، حسبما أكده صحفيون محليون. وفي إحدى الحالات التي حظيت بتغطية واسعة النطاق، تم إدخال الصحافي محمد عمر إلى المستشفى بعد استجوابه في معبر ألينبي بين الأردن والضفة الغربية. كان عمر عائدا إلى منزله في قطاع غزة بعد أن حصل على جائزة مارتا جيلهورن في لندن تقديرا لتقاريره في مجلة تقرير واشنطن لشؤون الشرق الاوسط ومقرها الولايات المتحدة، وأيضا لوكالة أنباء إنتر برس سيرفس التي تتخذ من روما مقرا لها. وقال عمر لجنة حماية الصحفيين أن مجموعة من “عملاء الشين بيت” (جهاز المخابرات الداخلي في إسرائيل) قد قاموا باستجوابه، وجردوه تماما من ملابسه تحت تهديد السلاح، وكالوا له الإهانات. كما قال الصحافي أن هؤلاء العملاء جروه على الأرض وداسوا على رقبته بينما كان على الأرض. وفي النهاية وضع في سيارة إسعاف ونقل إلى مستشفى أريحا في الضفة الغربية، حيث كان يعالج من كسور في الضلوع، وصدمة نفسية.
وفى بيان مكتوب تم إرساله للجنة حماية الصحفيين، قالت الحكومة الإسرائيلية أن عمر لم يتعرض لسوء المعاملة وقد تم تفتيش أغراضه بسبب شكوك حول “أنه كان على اتصال مع عناصر معادية”. واعترف البيان بأن عمر تلقى الرعاية الطبية بعد الحادث ولكنها شككت في خطورة إصابته.
وعندما أجرت لجنة حماية الصحفيين تقريرها السنوي الخاص بتعداد الصحفيين السجناء يوم 1 كانون الأول/ديسمبر كان الجيش الإسرائيلي يحتجز صحفي في السجن. ففي 15 تموز/يوليو، اعتقلت قوات الجيش الإسرائيلي إبراهيم حمد ، وهو مهندس صوت يعمل في وكالة أنباء رامتان بغزة، حيث داهمت القوات الإسرائيلية – في الرابعة صباحا – منزله في مخيم قلنديا للاجئين بالقرب من رام الله في الضفة الغربية، حسبما أكد أقاربه وزملاؤه في الوكالة للجنة حماية الصحفيين. لا يزال سبب اعتقال حمد غير واضح، بينما تحتجزه السلطات بقرار “اعتقال إداري” دون الكشف عن أي من التهم الموجهة إليه.
وفي الأراضي الفلسطينية، اتسعت هوة الخلاف بين حركة فتح التي كانت الطرف الرئيسي من الحركة الوطنية الفلسطينية، وحركة حماس الإسلامية بعد انهيار الائتلاف – الذي لم يدم طويلا – في حزيران/يونيو 2007. أحكمت حماس سيطرتها على قطاع غزة في حين أن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس وحركة فتح باتت تسيطر على الضفة الغربية.
أورد الصحفيون في غزة تقارير عن استمرار تعرضهم للمضايقة والرقابة من قبل مسئولي حماس، وفقا لما ذكره مسئولون في السلطة الفلسطينية بقيادة فتح في الضفة الغربية. وقال عدد من الصحفيين العاملين في جهات إخبارية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة أنهم كانوا يختارون الكلمات بعناية في كتابتهم عن انتهاكات حقوق الإنسان والسياسة، لأنهم يخشون من الانتقام.
كانت اشتباكات عنيفة بين الفصائل، شملت انفجار قنبلة أدت إلى مقتل ستة جنود على شاطئ غزة في تموز/يوليو مهدت لموجات من الاعتقالات لأنصار فتح وحماس في كل من المنطقتين. وكان من بين الذين شملتهم الاعتقالات صحفيون تم احتجازهم لمدة عدة أسابيع أو عدة أشهر. وعندما أجرت لجنة حماية الصحفيين تقريرها السنوي لتعداد الصحفيين السجناء، كان هناك ثلاثة صحفيون على الأقل يحتجزهم رجال الأمن التابعين لحركة حماس في غزة.
وأبقت حركة فتح على منعها توزيع مطبوعتي الرسالة و فلسطين الصادرتين من غزة، حسبما ذكر صحفيون محليون للجنة حماية الصحفيين. و كانت الحكومة قد أوقفت توزيع المطبوعتين في الضفة الغربية في حزيران/يونيو 2007 ، متهمة إياهما بالانحياز إلى حماس. و من جهتها لم تتسامح الحكومة التي تقودها حماس في قطاع غزة مع وسائل الإعلام المنحازة إلى فتح. وفي يوليو/تموز، منعت حماس توزيع ثلاث صحف: الحياة الجديدة و الأيام و القدس، وفقا لصحفيين محليين وناشطين في مجال حقوق الإنسان.
الصحفيون الفلسطينيون العاملون في وكالات الأنباء الأجنبية استهدفوا هم أيضا في أعمال عنف بين فتح وحماس. ففي 26 تموز/يوليو ، اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة لحماس مساعد مصور يعمل لدى التلفزيون الألماني ARD ينما كان في منزله في تل الهوى. تم اعتقال سواح أبو سيف بعد انفجار في جنوب قطاع غزة ألقت حماس فيه باللوم على فتح. ولم يصور أبو الانفجار أو ما تبعه من أحداث، وإنما جرى اعتقاله ضمن حملة اعتقالات للفلسطينيين الذين يشتبه في صلتهم بفتح، حسبما أوردته تقارير الأسوشيتد برس. وقال ريتشارد شنايدر مدير مكتب محطة ARD للجنة حماية الصحفيين أن أبو سيف بقي محتجزا لمدة خمسة أيام تعرض فيها لسوء المعاملة من قبل رجال الأمن. وقام رجال الأمن باستجوابه عن عمله، وصادروا جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به وهاتفه الخليوي، لكن لم يتم اتهامه بأية جريمة.