إنه يوم هادئ في هذه القرية في أوغندا، وثمة مجموعة من النساء جالسات على كراسي بلاستيكية يحتمين في الظل من شمس العصيرة. وأنا موجودة هنا مع عدد صغير من الصحفيات في رحلة صحفية برعاية المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء (IWMF). رحبتْ بنا النساء القرويات وبدأن يتحدثن معنا حول حياتهن في القرية. ثم وقع أمر ما. فهناك رجل يقف في الظل يحدق بنا. وبدأ رجال آخرون ينضمون إليه. يبدو أن جهة ما لا ترغب في وجودنا هنا.
بدأ الرجال يتوافدون من جميع الجهات، وكانوا يحملون عصيّاً وقضبان خيزران. وشرعنا بالهرب، وبدأوا يلاحقوننا. ركضنا حول المبنى نحو الطرف البعيد من القرية مع اقتراب الحشد منا. وبرز أمامنا جدار، وليس بوسعنا القفز عنه. ولم يكن أمامنا خيار سوى أن نستدير ونواجه الحشد.
كان قلبي يخفق بشدة: فمن جهة كنا نقف نحن الصحفيات نحمل دفاتر وكاميرات وأجهزة تسجيل، وفي الجهة المقابلة كان يوجد أكثر من عشرة قرويين يحملون العصي. أمسكت بأيدي زميلاتي وجهزنا نفسنا للاصطدام، وشرعنا نركض عبر الحشد باتجاه سيارتنا. ووصلنا جميعاً إلى السيارة دون أن نصاب بأذى، ولكننا كنا نشعر بالهلع.
كل ذلك جرى كاختبار في إطار تدريب للصحفيات على مواجهة البيئات المعادية تجريه ‘المنظمة الدولية لأمن الصحفيين‘ (GJS). لم يكن الغضب الذي شعرنا به حقيقياً، ولا كان الحشد المعادي حقيقياً، ولكن جميع الجوانب الأخرى كانت حقيقية – شمس أوغندا الساطعة، الصحفيات المشاركات في برنامج الزمالة الذي تنظمه المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء، القرويات الأوغنديات، العصي، الجدار، وخفقان قلبي هلعاً. وكان القصد من التدريب التأهب للتعامل مع الأخطار المفاجئة والاعتداءات غير المتوقعة، وفي هذه الحالة اعتداء من حشد من القرويين المتفرجين في مجتمع تمزقه الصراعات ممن يرتابون بأنشطتنا كصحفيات. وعلى الرغم من أن حشد المهاجمين والنساء القرويات هم ممثلون تعاقدت معهم المنظمة الدولية لأمن الصحفيين، وأن الصحفيات المشاركات ينحدرن من عدة بلدان، ومعظمهن من الولايات المتحدة، إلا أنني عندما رأيت الجدار واستدرت لمواجهة الحشد، برزت في ذاكرتي صور لم أتوقعها من أعمال شغب عملت على تغطيتها صحفياً في جنوب شرق آسيا. وقد واجهت أثناء عملي الصحفي إطلاق نيران، وحالات سرقة مسحلة، واعتداءً بقنبلة يدوية، ومراقبة حكومية، والاعتقال، والترحيل. ولكن لم أحصل لغاية الآن على أي تدريب على مواجهة أي من هذه الأخطار.
***
في الوقت الذي شاركنا فيه في هذا التدريب، في سبتمبر/أيلول 2015، أصبح ذلك العام يُعتبر وقبل انقضائه بأنه من أشد الأعوام فتكاً بالصحفيين. وبحلول نهاية العام، كان ما لا يقل عن 71 صحفياً قد لقوا حتفهم بسبب عملهم، حسب أبحاث لجنة حماية الصحفيين. وكان الصحفيون القتلى قد استُهدفوا بالاغتيال في أكثر من ثلثي الحالات.
وقالت ليلي هندي، نائب مدير منظمة ‘مراسلون مدربون على إنقاذ زملائهم’ (RISC)، “يواجه الصحفيون حالياً تهديدات أكثر على سلامتهم البدنية لأنهم أصبحوا مستهدفين. وفي السابق كانوا يتعرضون للخطر بسبب قربهم من مصادر الخطر والنيران المتقاطعة؛ أما الآن فيتم استهدافهم بالتحديد”.
تواجه الصحفيات أخطاراً محددة من قبيل العنف الجنسي والتحرش الجنسي وبقدر يفوق كثيرا ما يواجهه الرجال، ولذلك أصبحت التدريبات المتخصصة بقضايا النوع الاجتماعي، من قبيل التدريبات التي تنظمها المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء، أكثر شيوعاً وباتت تعتبر باطراد بوصفها أساسية.
في عام 2014، نشرت المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء بالتعاون مع المعهد الدولي لسلامة العاملين في الإعلام تقريراً بعنوان “العنف والتحرش ضد النساء العاملات في وسائل الإعلام“، وهو أول تقرير شامل حول التهديدات التي تواجهها الصحفيات في جميع أنحاء العالم. وأخبرتني إليسا ليز مونوز، المديرة التنفيذية للمؤسسة الإعلامية الدولية للنساء، في إطار مقابلة أجريتها معها عبر البريد الإلكتروني، “أفادت ثلثا الصحفيات تقريبا ممن استجبن للاستقصاء أنهن تعرضن لشكل من أشكال التهديد والترهيب أو الإساءات خلال عملهن، والتي تتراوح في شدتها ما بين الشتائم إلى التهديد بالقتل”. إلا أن الصحفيات لم يبلغن السلطات في معظم الحالات، كما أن معظم هذه التعديات “تجري في مكان العمل وليس في الميدان”. ومع ذلك ثمة صحفيات عديدات أبلغن السلطات عن تعرضهن لعنف بدني – من قبيل الدفع والاعتداء باستخدام أداة أو سلاح – خلال العمل الميداني أثناء تغطية احتجاجات وتظاهرات أو أثناء فعاليات عامة. وقالت 14 في المائة ممن استجبن إلى الاستقصاء أنهن تعرضن لعنف جنسي مرتبط بعملهن؛ في حين أفادت حوالي نصف المستجيبات أنهن تعرضهن لتحرش جنسي.
وقال فرانك سميث، المدير التنفيذي للمنظمة الدولية لأمن الصحفيين (GJS)، ومستشار للجنة حماية الصحفيين في مجال أمن الصحفيين، “تواجه النساء خطراً أكبر من الخطر الذي يواجهه الرجال بالتعرض لاعتداءات جنسية من قبل مهاجمين أفراد أو جماعات من الذكور، وكذلك خطر الاعتداءات الجنسية التي تحدث أثناء الحشود”. وقال إنه من غير الواضح ما إذا ازدادت هذه الاعتداءات، “أم أن الرجال والنساء العاملين في الصحافة ركزوا مزيدا من الاهتمام على هذه القضية، وقرروا أخيراً أن يتحدثوا عنها”.
واجتذبت هذه القضية اهتماما عالميا في عام 2011 عندما قام حشد من الرجال بالاعتداء جنسيا على مراسلة محطة ‘سي بي أس’ وعضوة مجلس إدارة لجنة حماية الصحفيين، لارا لوغان، التي كانت تغطي الثورة المصرية من ميدان التحرير، وهو مكان معروف بأنه خطير على الصحفيين. وتحدثت الصحفية البريطانية ناتاشا سميث عن تعرضها لحادثة مشابهة. وفي عام 2013، تعرضت صحفية هولندية للاغتصاب بينما كانت تغطي الاحتجاجات في المكان نفسه. ولم تكن هذه الصحفيات هن الضحايا الوحيدات، فقد وصفت المصورة الصحفية لينزي أداريو تعرضها للاختطاف والاعتداء في ليبيا، وذلك في مذكراتها التي تضمنت تفاصيل صادمة، والتي نشرتها تحت عنوان ‘هذا هو عملي‘.
وقد اتخذ العديد من الصحفيين موقفاً وقرروا مقاومة هذه الممارسات ومرتكبيها، وبدأوا بالعمل على مكافحتها.
وقالت مونوز، من المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء، “لقد قررنا أن نوفر بقدر ما نستطيع ولجميع النساء اللاتي يعملن معنا، تدريبات على مواجهة البيئات المعادية. ونحن نرى أن مسؤوليتنا تقتضي توفير هذه التدريبات”.
وهذه التدريبات تتضمن التدريب الذي شاركتُ به في أوغندا ونظمته المنظمة الدولية لأمن الصحفيين حيث تم تمثيل اعتداء يقوم به حشد ضد صحفيات. ويتضمن التدريب أوضاعا تمثيلية أخرى من قبيل الاختطاف، وتدهور سيارة، وإطلاق رصاص، وهجمات بقنابل يدوية، وهجمات قناصين، كما نعمل في التدريب كأفراد وجماعات.
***
قال لنا سميث في اليوم الأول من التدريب، “سندفع بكن خارج مجال الراحة”. إلا أنه أضاف القول، “نحن لا نريد أن نتسبب لكن بصدمة”. لذلك، وعلى عكس ما يجري في الواقع العملي، يمكنني إيقاف التدريب في أي وقت، وحالما ترفع أي منكن يدها طلباً لذلك.
غطت الدورة التدريبية التي شاركتُ بها موضوعات عديدة، بدءاً من الإسعافات الأولية ومروراً بالأسلحة والأمن الرقمي. ولسوف أتذكر دائماً المبادئ الأولية للاستجابة للطوارئ من قبيل تحديد الخطر والاستجابة له، وأسعاف المصابين بالتأكد من مساعدتهم على التنفس وإيقاف النزيف، وما إلى ذلك. وإذا ما أصيب أحد زملائي بعيار ناري، أو رأيت شخصاً ما ينزف من جراء حادث سيارة، فإنني أعرف ما الخطوات الأولى التي يجب القيام بها لمساعدته قبل وصول طواقم الأسعاف وقبل طلب النجدة.
وبوصفي صحفية، فقد طورت منذ فترة مبكرة في مسيرتي المهنية قدرة على الوعي بالوضع المحيط بي – إذ أعمل على تقييم المشهد من منظور واسع ومن منظور ضيق. ولكنني أعترف بأنني تراخيت بشأن الشكليات الأمنية: فيجب إجراء تحليل للخطر قبل الشروع برحلة ميدانية، ويجب وضع خطة اتصال مع الأصدقاء والأقارب قبل المغادرة، ووثيقة تتضمن بيانات شخصية سرية لإثبات أنني على قيد الحياة ويمكن استخدامها في حالة حدوث أسوأ الاحتمالات للتثبت من أنني ما زلت على قيد الحياة. (يمكن الاطلاع على أمثلة لهذه النماذج ومعلومات شاملة حول أمن الصحفيين وذلك من دليل أمن الصحفيين الصادر عن لجنة حماية الصحفيين ومن الموقع الإلكتروني التابع لصندوق روري بيك).
وتقول جوديث ماتلوف، وهي مراسلة صحفية دولية مخضرمة وتقدم تدريبات حول أمن الصحفيين وذلك بصفة مستقلة ومن خلال جامعة كولومبيا، “يجب أن نفكر بأسوأ الاحتمالات وأن نتأهب لها. لقد بدأتُ بتغطية الأخبار منذ عقد الثمانينات، وكان الصحفيون مستهدفين حينها. لقد كان الخطر هائلاً، ولكن أصبح يوجد وعي بشأنه حالياً. ولم نكن نحصل على دعم من مجموعات المناصرة، ولم نحصل على تدريبات، ولم يتوفر لنا أي شيء. كان المحررون الصحفيون يمنحونا هدية رمزية ويتمنون لنا حظاً طيباً، وهذا كل ما كنا نحصل عليه”.
وقالت ماتلوف، بات يتوفر مصادر أكثر كثيراً من ذي قبل، ولكن ما زال يوجد مجال للتحسن. وأضافت، “هناك عدد قليل جداً من الأشخاص يوفرون التدريب للنساء، وأعتقد أن هذا الجانب تعرض للإهمال منذ مدة طويلة”. وهناك العديد من الدورات التدريبية على مواجهة البيئات المعادية يقدمها رجال حاصلين على تدريب عسكري، “وما يفعلونه هو وضع كيس على رأس المتدرب … ثم يقولون هذا ما يحدث أثناء الاختطاف”. وأضافت، “هذا التدريب لا يُعدّ الصحفيين لاتخاذ قرارات سليمة. فما الذي يستفيد منه المتدرب عندما تحدث الأوضاع التي نخشاها”. وبدلاً من ذلك، فإن الدورات التدريبية التي تقدمها ماتلوف تركز على كيفية تجنب مثل هذه الأوضاع في المقام الأول.
وتقول ماتلوف، من المهم الحصول على تدريب، ولكن من المهم أيضاً فحص البرامج التدريبية فحصاً دقيقاً. ففي بعض الحالات، كان المدربون الذكور يقومون بممارسات تشبه ما يقوم به مرتكبو الإساءات التي تسعى الصحفيات إلى تجنبها. وقالت، “لقد تحدثت مع عدد كبير من الصحفيات ممن واجهن محاولات تودد أو تحرشا جنسيا من المدربين الذكور. وعادة ما يعمل المدربون الذين عملوا كعسكريين في السابق على تشجيع بيئة ذكورية حماسية، ولا تشعر النساء في الغالب بالارتياح في مثل هذه الأوضاع، وبالتالي يبدأ التدريب في أوضاع تسبب شعوراً بالضيق للصحفيات”.
أقر سميث بأن التدريبات الأمنية المصممة حسب “العقلية العسكرية الغربية” ليست أفضل ما يناسب الصحفيين في الميدان. وقال، “الصحفيون والعاملون في المنظمات غير الحكومية هم مدنيون غير مسلحين، ويضطرون لأن يجدوا طريقهم باستمرار في البيئات التي تسيطر عليها السلطات والجهات المسلحة الأخرى. وهذا يتطلب مجموعة مهارات أوسع وأكثر مراعاة لدقائق الأمور من المهارات التي يوفرها التدريب العسكري”. وتتعامل المنظمة الدولية لأمن الصحفيين بشكل حساس مع موضوع الاعتداءات الجنسية، ولكن بانفتاح. ويشارك الرجال والنساء في تدريبات المنظمة لأنه “يجب أن يكون الرجال والنساء جزءاً من الحل” حسب ما يفيد سميث. “لقد ظل موضوع الاعتداءات الجنسية موضوعاً محظوراً لمدة طويلة، ويؤدي التهامس بشأنه ضمن مجموعات صغيرة من الأشخاص إلى زيادة الوصم الذي يحيط به”.
وتقول ماتلوف إن هذا الوصم يمنع العديد من النساء عن التحدث بشأن ما يتعرضن له من اعتداءات في حال وقوعها، “وهناك أيضا الشعور بالخجل من أن تعرضن للاعتداء يدل على افتقادهن للمهارة. وتشعر الصحفيات اللاتي يتعرضن لاعتداءات بعزلة كبيرة”. ولا يقمن غالباً بإبلاغ المسؤولين عنهن، “لا سيما الصحفيات المستقلات إذ يخشين من أن المؤسسات الإعلامية ستمتنع عن تكليفهن بمهمات ميدانية”.
وقد أكد هذا الأمر الاستقصاء الذي أجراه المعهد الدولي لسلامة العاملين في الإعلام والمؤسسة الإعلامية الدولية للنساء. فقد علقت صحفية من الكاميرون (لم يكشف الاستقصاء عن أسماء الصحفيات) بالقول “لم أبلغ أي جهة بشأن الاعتداء الذي تعرضت له، فلمن يمكنني أن أبلغ؟ فالشخص الذي هددني هو نفس الشخص الذي ينبغي أن أبلغه في الظروف العادية”.
وكتبت صحفية أخرى، وهي أمريكية، أنها عانت من تبعات إبلاغ المسؤولين عنها بشأن تحرش جنسي تعرضت له في عملها. “لقد أرسلوني إلى منزلي وجردوني من المسؤوليات التي كنت أقوم بها في الظروف العادية. ثم تحول التحقيق بسرعة إلى تحقيق في سلوكي أنها”.
وقالت العديد من الصحفيات الاتي أجبنَ على الاستقصاء أنهن عانين ألما بدنيا ونفسيا من جراء اعتداءات مرتبطة بالعمل. وبدأ بعضهن يستخدمن أسماء مستعارة عند نشر المواد الصحفية. في حين عمدت أخريات إلى الامتناع عن نشر موضوعات صحفية معينة. كما اضطرت بعض الصحفيات إلى الانتقال عن أماكن سكنهن بصفة دائمة، وقرر بعضهن التخلي عن مهنة الصحافة تماماً. ونتيجة لذلك، فإن المخاطر التي تتعرض لها الصحفيات، تمثل في نهاية المطاف تهديداً على قدرة الجمهور في الحصول على المعلومات.
***
تمثل الوقاية أمراً جوهرياً – وهذا أحد الدروس الأساسية في التدريبات الأمنية. وغالباً يعتمد أمنك الشخصي على الاحتياطات التي تقوم بها أنت نفسك. ويقول سميث، “ليس أمامك أي خيار سوى أن تهتم أنت شخصياً بإجراءاتك الأمنية”.
وتحدثت ماتلوف عن تجربة مرت بها بينما كانت تغطي الأخبار من بوروندي. فقد التقت بأحد مصادرها الرئيسيين، وهو مسؤول عسكري، أراد أن يتحدث لها بعد موعد بدء حظر التجول. وقالت “انتابني شعور من الخشية فوراً”، وقررت ألا تقابله. وعلقت بالقول، “لم أحصل على القصة الصحفية، وخسرته كمصدر صحفي، إلا أنني لم أتعرض للاغتصاب. ويجب علينا أن نواجه هذه القرارات الصعبة التي لا يضطر الرجال لمواجهتها. فكان يمكن لصحفي ذكر أن يخرج وأن يقابله، ولسارت الأمور على ما يرام”. أما الصحفيات فعليهن اتخاذ احتياطات أكبر. وتقول، “الجميع يتوجهون إلى البار في الفندق عند حلول المساء. ولكن ينبغي على المرء أن يتوخى الحذر. فهناك أشخاص قد يدسون مادة مخدرة في ما تشربه، أو يمكن للمرء أن يفرط في الشراب … وليس بوسعه التصرف بسرعة إذا كان ثملاً”.
وتقول ماتلوف، إذا حدثت مشكلة، فمن الضروري جداً أن يكون لدى المرء خطة لمواجهة أسوأ الاحتمالات. وأضافت بأنه ينبغي التعامل مع هذه الأسئلة أيضاً من قبل الذين يعمل معهم الصحفيون، “وهذا نقاش يجب أن يتم في غرف الأخبار قبل أن تخرج الصحفيات إلى الميدان. ويجب على قطاع الإعلام بأكمله أن يكون مدركاً لهذه القضية”.
لكن، وللأسف، ينزع الصحفيون المستقلون أن يكونوا أكثر انعزالاً. ووفقا ً للتقرير الصادر عن المعهد الدولي لسلامة العاملين في الإعلام والمؤسسة الإعلامية الدولية للنساء، “عادة ما يواجه العاملون الإعلاميون المستقلون مخاطر إضافية أثناء قيامهم بعملهم، إذ لا تتوفر لهم أي من الموارد المؤسسية أو الدعم المؤسسي الذي يحصل عليه موظفو المؤسسات الإعلامية”.
وتقول ليلي هندي، من منظمة ‘مراسلون مدربون على إنقاذ زملائهم’، “تقع المسؤولية عن أمن العاملين المستقلين على هؤلاء العاملين أنفسهم وعلى الجهات التي تنشر عملهم. ومن التهور أن يتوجه الصحفيون المستقلون إلى منطقة خطرة دون إجراء تقييم شامل للخطر، والاستعداد مسبقاً من خلال التدريب وجلب المعدات الملائمة. ومن التهور أيضاً أن يقوم محرر/ناشر بدفع أجر للصحفيين المستقلين لا يكفي لأداء مهمتهم بأمان، وعدم طرح الأسئلة اللازمة حول استعدادهم لأداء المهمة. وإذا كان الصحفي المستقل غير حاصل على تدريب وأراد الناشر أن يستخدم عمله في منطقة خطرة، فنحن نعتقد أنه يتوجب على الناشر المساعدة في تغطية كلفة الاستعداد الملائم”.
ولكن، ما مدى فاعلية الاستعداد؟ يقول سميث، “نحن نقيس النجاح بعدة طرق: من خلال التقييمات المباشرة أو السرية التي نستملها من المتدربين حال انتهاء الدورة، ومن القصص التي يرويها المتدربون حول نجاحهم لاحقاً في تطبيق الدروس التي تعلموها، ومن خلال الزيادة المستمرة في عدد المشاركين في التدريبات من الصحفيين ومن المنظمات غير الحكومية”.
شاركت الصحفية المستقلة روكسان ل. سكوت في عام 2015 في تدريب أمني في كينيا نظمته المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء، وذلك قبل أن تتوجه في مهمة صحفية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقالت إن التدريب الذي حصلت عليه غير طريقة تعاملها مع المخاطر، “حتى في الأوقات التي لا أعمل فيها، أحرص دائماً على إدراك الظروف المحيطة. فعلى سبيل المثال، اعتدت في السابق أن أجلس في سيارتي وأمضي بعض الوقت في كتابة الرسائل النصية الهاتفية، وأحيانا بينما تكون نافذة السيارة مفتوحة. وقد تعلمت من التدريب الأمني أنه يوجد خطر بأن يأتي أحد ويسلب هاتفي من يدي أو أن يحاول فتح باب السيارة. لذا فأنا الآن أبدأ بقيادة سيارتي حالما أدخلها. وتعلمت أيضاً أن أتعرف على الظروف المحيطة. فإذا كنت في منطقة مظلمة، فإنني أنظر حولي دائماً كي أعرف من هم الأشخاص القريبين مني كي لا يفاجئني أحد”.
وتقول ماتلوف أنها ترغب برؤية بيانات ملموسة حول التدريبات الأمنية الأكثر فائدة للصحفيات، “فليس بوسعي تقديم إحصائيات، فنحن بحاجة إلى إجراء استطلاعات تشمل القطاع الإعلامي بأكمله كي نتمكن من معرفة ما هو نوع التدريب المفيد، وليس فقط قصص من هنا وهناك”. وأعربت عن اعتقادها بأن هذا الاستطلاع يجب أن يجري من قبل مصدر محايد وغير ربحي. وقالت، “من الصعب على المدربين أن يقوموا بذلك، وأن يتيحوا إجراء تحليل شامل بالفعل للبيانات، من أجل تحديد ما إذا كان ما يقومون به فعالاً. وأشعر أنه في الوقت الذي تقوم به جهة تحقق أرباحا وتقدم خدمات بإجراء مثل هذا التقييم، فإن ذلك يخلق تشويشاً في الاستطلاع”.
***
في ذلك اليوم في أوغندا، عندما اقترب الحشد التمثيلي منا، كنت أفكر في الاحتجاجات التي غطيتها في كمبوديا. وفكرت في لحظات كم أود لو أن الزمن يعود للوراء كي أغير خطواتي وأتجنب بعض المواقف تجنباً تاماً.
ومع ذلك، لو عاد الزمن إلى الوراء ربما ما كان ليتغير شيء، ولكنت قد واجهت الحشد الذي واجهته – وكان حشداً حقيقياً وليس ممثلين. وبوصفي صحفية، فإنني اخترت مهنة تقتضي أن أتواجد حيث يوجد الموضوع الصحفي، والذي كان مكاناً خطيراً آنذاك. وما كان أي تدريب سيمنعني عن رغبتي بالتوجه إلى ذلك المكان.
شاركت الصحفية المستقلة مولي مكلوسكي في التدريب الذي نظمته المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء في عام 2014، وذلك قبل أن تتوجه للعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقالت “إن طبيعة عملنا تقتضي أننا لن نكون أبدأ في مأمن تام. ويساعد الإعداد والتدريب على الحد من الخطر، ولكن طالما توجهنا للعمل في الميدان، وطرحنا أسئلة لا يريد الناس الإجابة عنها، فسنظل نواجه مستويات متنوعة من الخطر. وإذا أردت أن أشعر بأمان أكبر، سيتعين علي أن أغير مهنتي تماماً”.
***
وفيما يلي بعض النصائح للصحفيين من الجنسين مستمدة من برامج التدريب الأمنية، والخبرات الشخصية، والتقرير الصادر عن المعهد الدولي لسلامة العاملين في الإعلام والمؤسسة الإعلامية الدولية للنساء:
– يجب إجراء تقييم للخطر قبل الدخول في مناطق من المحتمل أن تكون خطرة
– يجب تطوير خطة اتصالات للتواصل مع أشخاص رئيسيين وإطلاعهم على الوضع الأمني أثناء القيام بعمل ميداني
– يجب إعداد وثيقة تتضمن معلومات شخصية كي تُستخدم لإثبات أن الصحفي على قيد الحياة في حالة تعرضه للاختطاف
– يجب على الصحفي أن يفهم اللغة المستخدمة في المنطقة التي يعمل بها، أو أن يوظف معاوناً يفهم اللغة
– يجب البقاء على الحافة عند تجمع حشد كبير؛ ويجب تجنب التواجد في منتصف الحشد
– يجب دائماً تحديد مسار للهرب
– يجب التعرف على أماكن المستشفيات المحلية قبل السفر
– يجب وضع خطة إخلاء
– يجب تحديد طريقة لتخزين المعلومات وكيفية إخراجها من البلد
– يجب على الصحفي أن يدرك الطريقة التي يؤثر بها عمله على أمن مصادر المعلومات والمعاونين والصحفيين المحليين
كارين كواتيس هي زميلة متقدمة في معهد شوستر للصحافة التحقيقية التابع لجامعة براندايس. وقد سافرت إلى أوغندا ورواندا للمشاركة في زمالة للتغطية الصحفية نظمتها المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء في عام 2015.