تصوير وبث جرائم قتل الصحفيين: الجماعات المسلحة تستخدم وسائل الإعلام لأهداف قتالية

بقلم: جويل سايمون وسمانثا ليبي

مقاتل يستخدم هاتفاً خلوياً لتصوير رفاقه من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية أثناء استعراض عسكري في شوارع مدينة الرقة السورية في 30 يونيو/حزيران 2014. (رويترز)
مقاتل يستخدم هاتفاً خلوياً لتصوير رفاقه من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية أثناء استعراض عسكري في شوارع مدينة الرقة السورية في 30 يونيو/حزيران 2014. (رويترز)

لم يُنشر الخبر المتعلق بجريمة قتل الصحفي جيمس فولي في 19 أغسطس/آب 2014 عبر وسائل الإعلام في البداية، وإنما عبر موقع تويتر. وواجهت المؤسسات الصحفية سؤالاً شائكاً حول كيفية تغطية هذه الجريمة وتحديد المقاطع المصورة التي ينبغي عليها بثها. فإذا قامت جماعة أو فرد بارتكاب عمل عنيف وتصويره، فكيف يمكن للمؤسسات الإعلامية التقليدية أن تغطي هذا الخبر دون أن تنشر الدعاية السياسية التي يود مرتكبو الجريمة نشرها.

أما الصحفيون الذين توجهوا بأعداد كبيرة إلى سوريا عند اندلاع النزاع في عام 2011 فنادراً ما واجهوا مثل هذه القضايا وعلى هذا النحو العلني. فقد عمل صحفيون مخضرمون ومواطنون صحفيون على تغطية الحرب، وركزت تقاريرهم بصفة أساسية على العنف وآثاره الهائلة على السكان المدنيين.

جدول المحتويات

Attacks on the Press book cover
Attacks on the Press book cover

بيد أنه بحلول خريف عام 2013 كان المشهد الإعلامي في سوريا قد تغيراً كثيراً. فقد لقي اثنان وستون صحفيا حتفهم، وكان الصحفيون يتعرضون للاختطاف بمعدل صحفي واحد أسبوعياً. وباتت الجماعات المتمردة تستهدف الصحفيين بعد أن كانت ترحب بهم في الماضي القريب.

هذا المستوى المتزايد من الخطر أجبر وكالة ‘أسوشيتد برس’ على إعادة النظر في إجراءاتها، بعد أن كانت ترسل بانتظام مراسلين صحفيين من موظفيها ومراسلين مستقلين إلى داخل سوريا. وقال سانتياغو ليون، نائب رئيس الوكالة ومدير قسم التصوير الفوتوغرافي فيها، “ليس الذهاب إلى ساحات الحروب لتغطيتها إعلاميا أمراً جديداً بالنسبة لنا، إلا أن ما أجبرنا على تغيير إجراءاتنا فهو اختطاف الصحفيين بغية الحصول على فدية”.

هذا المستوى المتزايد من الخطر أجبر وكالة ‘أسوشيتد برس’ على إعادة النظر في إجراءاتها، بعد أن كانت ترسل بانتظام مراسلين صحفيين من موظفيها ومراسلين مستقلين إلى داخل سوريا. وقال سانتياغو ليون، نائب رئيس الوكالة ومدير قسم التصوير الفوتوغرافي فيها، “ليس الذهاب إلى ساحات الحروب لتغطيتها إعلاميا أمراً جديداً بالنسبة لنا، إلا أن ما أجبرنا على تغيير إجراءاتنا فهو اختطاف الصحفيين بغية الحصول على فدية”.

وعندما لم يعد بوسع وكالة ‘أسوشيتد برس’ إيفاد مراسليها للعمل في الميدان، أخذت تعتمد على “المحتوى الذي ينتجه المستخدمون”، ومعظمه عبارة عن صور يرسلها ناشطون محليون ومواطنون أو مواد مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي. وقد خلق هذا الأسلوب تحديات فيما يتعلق بدقة المعلومات وخلوها من التحيّز. وأوضح سانتياغو ليون، “إن نشر بعض الآراء هو أفضل من عدم نشر أي آراء”. وكانت النتيجة موازنة صعبة بين التوثيق الذي يقوم به مواطنون يفتقرون إلى المهنية وبين المواضيع الإخبارية التي تخضع للتفحص الحذر.

ولكن انهار هذا التوازن بعد صعود تنظم الدولة الإسلامية، المعروف أيضاً باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). نمت قوة تنظيم داعش حتى أصبح القوة المهيمنة بين الجماعات المتمردة في سوريا، وعمد التنظيم إلى كبح جميع المصادر المستقلة للمعلومات في المناطق التي يسيطر عليها، وفي الوقت نفسه أخذ ينشر عبر قنواته الخاصة مقاطع فيديو فظيعة تُظهر إعدام الأسرى والمدنيين وقوات الخصوم. وكانت الغاية من هذه المقاطع المصورة بث الرعب في نفوس الخصوم، واجتذاب المناصرين في الوقت نفسه.

كان سانتياغو ليون محتاراً بشأن كيفية تغطية مقاطع الفيديو التي يبثها تنظيم داعش، حتى قبل قطع رأسي الصحفيين المستقلين جيمس فولي وستيفن سوتلوف. فقد كانت مقاطع الفيديو تظهر أحداثاً تستوجب التغطية الإخبارية، مثل الفيديو الذي زعم تنظيم داعش أنه يظهر عملية قتل أكثر من 1700 جندي شيعي بالقرب من تكريت. وقرر سانتياغو ليون اختيار مقتطفات من مقطع الفيديو وصور ساكنة مستمدة منه، وتوزيعها لعملاء وكالة ‘أسوشيتد برس’، ولكن بعد حذف التفاصيل الأكثر فظاعة.

وقال ليون، “إنهم ينشرون هذه المواد الفظيعة لغاية في أنفسهم. ويتمثل التحدي في إبراز الوقائع الجارية دون الخضوع للدعاية السياسية المنشودة”.

وكان ليون يدرك، بالطبع، أن مقاطع الفيديو التي أصدرها تنظيم داعش ستصل إلى عموم الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبصرف النظر عن المداولات المتأنية التي قامت بها وكالة ‘أسوشيتد برس’ وغيرها من المؤسسات الإعلامية. وأدرك أيضاً أن استراتيجية داعش الإعلامية تتمثل في تجاوز المؤسسات الإعلامية الرئيسية والوصول إلى الجمهور المستهدف بصفة مباشرة. فعلى كل حال، لا يشارك مقاتلو داعش في مقابلات إعلامية، بل يتحدثون أمام الكاميرا مباشرةً.

وعلى الرغم مما أثارته مقاطع الفيديو التي بثها تنظيم داعش من اهتمام وشجب على الصعيد الدولي، إلا أن هذا الضرب من توثيق العنف من قبل مرتكبيه ليس أمراً جديداً. فمن النازيين في ألمانيا إلى الخمير الحمر في كمبوديا، ظلت الدول البيروقراطية توثق على نحو منهجي إساءاتها الهائلة، بما في ذلك الإبادة الجماعية. وفي الواقع، نشأت العديد من آليات حقوق الإنسان العصرية من جراء السخط الذي أثارته هذه الصور. وكانت حكومتا مبارك في مصر والأسد في سوريا من بين حكومات عديدة قامت بتوثيق ممارساتها في ارتكاب التعذيب. وتاريخياً، ظل الجنود يسجلون وقائع أعمالهم في ساحة الحرب – بمن فيهم الجنود الأمريكيون الذي صوروا التعذيب والإساءات في سجن أبو غريب.

إلا أن هذه الصور لم تكن موجه للجمهور، وكان الصحفيون الذين نشروا مثل هذه الصور يؤدون واجبهم المهني من خلال فضح هذه الإساءات المخفية. أما الديناميات التي تثيرها ما يمكن أن نسميه “مقاطع الفيديو التي يلتقطها مرتكبو العنف” فهي ديناميات مختلفة تماماً، إذ أنه لا سبيل إلى تغطيتها إعلاميا من دون الدفع بمصالح مرتكبي العنف إلى حد ما. ونواجه هذه المعضلة ذاتها فيما يتعلق بمقاطع الفيديو التي يصدرها تنظيم داعش في سوريا، وعصابات المخدرات المكسيكية، وغيرها من الجهات الفاعلة من غير الدول من قبيل بوكو حرام في نيجيريا. فهذه المنظمات لا تكتفي بإنتاج مقاطع الفيديو، بل إنها تتصرف كوسائل إعلام منافسة.

*****

لم تنشأ الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم داعش من الفراغ، فقد تم تكييفها من الأساليب التي استخدمتها جماعات إسلامية أخرى، لا سيما تنظيم القاعدة في العراق، والتي انبثق منها تنظيم داعش.

وقبل الاعتداءات الإرهابية التي جرت في 11 سبتمبر/أيلول في نيويورك وواشنطن، كان تنظيم القاعدة يتّبع أسلوبا تقليديا في علاقاته الإعلامية. فكما هو حال العديد من الجماعات الإجرامية والسياسية والمتمردة تاريخيا، اعتمد تنظيم القاعدة على وسائل الإعلام الدولية لإيصال رسائله إلى العالم. وكان أسامه بن لادن نفسه قد عقد في الماضي مؤتمرات صحفية شارك بها صحيفون غربيون، كما شارك في مقابلات حصرية مع الصحفي بيتر آرنيت من محطة ‘سي أن أن’ والصحفي جون ميلر من محطة ‘آيه بي سي نيوز’. واستخدم المقابلة الصحفية مع آرنيت في عام 1997 لنشر إعلانه بالجهاد ضد الولايات المتحدة. وعندما سأله آرنيت عن خططه المستقبلية، أجاب أسامة بن لادن، “ستراها وستسمع عنها في الإعلام، إن شاء الله”.

وكان الصحفيون يشعرون بأنهم آمنون كي يجروا مثل هذه المقابلات، لأن الجماعات المسلحة كانت تحتاج وسائل الإعلام من أجل نشر رسالتها. وأشار بيتر بيرغين، الذي عمل منتجاً للمقابلة التي أجراها آرنيت، “عندما كنت تدخل إلى الدائرة الضيقة لبن لادن، لم تكن تشعر أبداً بأنك مهدد”.

ولكن علاقة تنظيم القاعدة من وسائل الإعلام الدولية تغيرت بشدة بعد اختطاف مراسل صحيفة ‘وول ستريت جورنال’، دانيل بيرل، وقطع رأسه في يناير/كانون الثاني 2002. ولم تكن تلك الجريمة حدثاً مخططاً كرسالة إعلامية على نحو ما يقوم به تنظيم داعش. بل أن بن لادن وبخ مسؤول العمليات في تنظيمه، خالد الشيخ محمد، الذي نفذ عملية إعدام الصحفي، وذلك لأن هذه العملية جذبت “انتباهاً غير مرغوب به للتنظيم”، وفقاً لتقرير نشره ‘مشروع بيرل‘، وهو تحقيق أجراه طلاب في جامعة جورجتاون في مدينة واشنطن العاصمة.

وفي عام 2003، تسلّم قيادة تنظيم القاعدة في العراق، أردني يدعى أبو مصعب الزرقاوي، وكان قد تدرب في معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان. وعلى الرغم من أن الزرقاوي كان من أتباع بن لادن، إلا أن هذا الأخير وجد أن من الصعب السيطرة على الزرقاوي. فقد وجهت القيادة المركزية لتنظيم القاعدة توبيخاً للزرقاوي، إذ حاججت بأن العنف المفرط، كما حدث في حالة إعدام بيرل، يؤدي إلى تنفير جمهور المواطنين وكذلك المؤيدين المحتملين على الساحة الدولية.

إلا أن الزرقاوي لم يرتدع، ولم يقتصر الأمر على استمرار علميات القتل، فقد أصبح الزرقاوي معروفاً باستخدام الإعلام للترويج للعنف الذي يرتكبه. ويُعتقد أنه قام شخصياً بتنفيذ عدة عمليات قطع رؤوس تم تصويرها بالفيديو، أما مساهمته الباقية في إقامة الرموز الجهادية فكان قيامه بإلباس الضحايا برداء برتقالي قبل إعدامهم، في إشارة رمزية إلى اللباس الذي يرتديه السجناء المحتجزون في القاعدة البحرية الأمريكية في غوانتانامو في كوبا. وعمد تنظيم داعش لاحقا إلى إجبار الضحايا الأمريكيين والبريطانيين الذين ظهروا في المقاطع المصورة لقطع الرؤوس، على ارتداء ملابس برتقالية أيضاً.

أعد الزرقاوي في العراق عملية إعلامية منظمة حسب اختصاصات مختلفة لتوزيع مقاطع الفيديو التي تظهر قطع رؤوس الأسرى. ووصف ج. م. بيرغر هذه العملية الإعلامية بأنها “النذير الرهيب لمقاطع الفيديو التي بثها تنظيم الدولة الإسلامية”، ويعمل بيرغر محرراً لموقع ‘إنتلواير’ (INTELWIRE.com) وألّف كتاب ‘جهاد جو: الأمريكيون الذين يتوجهون للحرب باسم الإسلام‘. وقبل انتشار مواقع يوتيوب وفيسبوك وتويتر، كان هذا النوع من مقاطع الفيديو أقل انتشاراً بكثير، ولم يكن يوجد إلا على مواقع إلكترونية معينة ومواقع لتبادل الرسائل. كما عمدت هذه التنظيمات إلى إرسال مقاطع الفيديو إلى خارج البلاد التي التُقطت فيها لتصل إلى منظمات يديرها الجهاديون ومتخصصة بالإنتاج الإعلامي، وتقوم هذه بدورها بتحويلها إلى أفلام وثائقية قصيرة ثم تنشرها على مواقع إلكترونية متعاطفة معها. وظل بن لادن نفسه يعتمد على تسجيلات الفيديو والتسجيلات الصوتية ويرسلها إلى قناة ‘الجزيرة’ كي تصل إلى الجماهير في العالم العربي. حتى مع نمو “وسائل الإعلام الجهادية”، إلا أن اعتماد تنظيم القاعدة على وسائل الإعلام التقليدية من أجل نشر رسالته عنى أن وسائل الإعلام هذه سيطرت على بث مناظر العنف المروع، واختارت ما يناسب النشر.

أدى قتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية في يونيو/حزيران 2006 إلى تسريع التحول لدى تنظيم القاعدة في العراق، والذي انضم إلى تحالف من الجماعات المتمردة التي أطلقت على نفسها اسم الدولة الإسلامية في العراق. ووفر النزاع المدني الذي اندلع في سوريا المجاورة بعد أربع سنوات من ذلك فرصة مثالية للدولة الإسلامية في العراق كي تتوسع وتجتذب مجندين جدد.

وفي نهاية المطاف، برز أبو بكر البغدادي، السجين السابق لدى القوات الأمريكية، كقائد لهذه القوة التي أعيد تشكيلها، وقد أطلقت على نفسها اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو داعش. وعندما تذمر تنظيم القاعدة من جديد من الأساليب الوحشية التي يستخدمها تنظيم داعش، وأعرب عن خشيته أنها ستؤدي إلى التأثير المنفر كما حدث في حالة تنظيم القاعدة في العراق، عمد البغدادي إلى تحدي تنظيم جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة، وبات تنظيم داعش هو القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة.

وفي فبراير/شباط 2014 نبذ تنظيم القاعدة تنظيم داعش بوصفه مفرطاً في عنفه، وأنكر أي تحالف معه. وكان أيمن الظواهري، النائب السابق لبن لادن والذي خلفه في قيادة تنظيم القاعدة، يدرك الدور المؤثر الذي يؤديه الإعلام، إذ قال “نحن في معركة، وأكثر من نصف هذه المعركة يدور على ساحة الإعلام”، وعارض بشدة مقاطع الفيديو التي يبثها تنظيم داعش. وصرّح الظواهري أن تنظيم داعش “ليس فرعاً من تنظيم القاعدة، ولا تربطه به أية رابطة، وجماعة القاعدة ليست مسؤولة عن أي من تصرفات داعش”.

أما قيادة تنظيم داعش فلم تكترث وواصلت ارتكاب تصرفات مفرطة في وحشيتها وعملت على توثيقها. وأوضح بيرغر، “إنهم لا ينكرون الأوصاف التي أطلقت عليهم؛ بل إنهم يتقبلوها بسرور. وهم مهتمون أكثر بترويج الصورة التي يرسمونها لأنفسهم أكثر من اهتمامهم بإنكار مسؤوليتهم عن الأفعال الوحشية”. وقد أدت مقاطع الفيديو غاية استراتيجية إذ بثت الرعب في قلوب الخصوم، وخلقت صورة للتنظيم بوصفه تنظيما لا يُقهر، مما ساعد التنظيم على تجنيد مقاتلين أجانب. وقال المتحدث باسم تنظيم داعش، أبو بكر الجنابي، لموقع ‘فايس’ (VICE) “وسائل التواصل الاجتماعي جيدة لبناء شبكة من الاتصالات والمجندين. ويتبادل المقاتلون الحديث حول خبراتهم في المعارك ويشجعون الناس على الثورة، كما يعمل المناصرون على ترجمة بيانات داعش والدفاع عنها”.

وأوضح ريتشارد باريت، المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب في جهاز ‘م-16’ (MI6) البريطاني، أن التقدم السريع لتنظيم داعش في شمال العراق وسوريا أتاح له التفوق على الإنتاج الإعلامي الأضعف لتنظيم القاعدة. وقال لوكالة الأنباء الفرنسية، “خلال السنوات العشرة الأخيرة أو يزيد، ظل الظواهري مختبئاً في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، ولم يقم بأكثر من إصدار بضعة بيانات ومقاطع فيديو. في حين قام البغدادي بعدد هائل من الأنشطة – فقد استولى على مدن، وتمكن من حشد عدد هائل من الناس، وهو يقتل بلا رحمة في جميع أنحاء العراق وسوريا”.

استخدم تنظيم داعش استراتيجية وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للتقدم الذي أحرزه في المعارك ولنشر الصور عن قسوته. وعمد إلى التلاعب بأدوات الوسم (هاشتاغ) في موقع تويتر من أجل توزيع مقاطع فيديو منتجة بعناية ولأوسع جمهور ممكن، وذلك وفقاً لما ذكره تقرير ‘خصائص تنظيم الدولة الإسلامية’ (Profiling the Islamic State) الصادر عن مركز مؤسسة بروكينغز في الدوحة، والذي كتبه تشارلز ليستر. وأطلق تنظيم داعش تطبيقاً خاصاً به على الهواتف الذكية العاملة بنظام أندرويد؛ كما عمد إلى انتحال كلمات وسم شائعة على موقع تويتر، بما فيها المستخدمة أثناء مسابقة كأس العالم لكرة القدم في عام 2014؛ وطور شبكة لامركزية للنشاط من جميع أنحاء العالم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لترويج دعاية للتنظيم.

يتضح اعتماد تنظيم داعش على وسائل التواصل الاجتماعي من رد فعل التنظيم على الجهود التي جرت في أغسطس/آب 2014 لإزالة جميع الحسابات المرتبطة بالتنظيم من موقع تويتر، وتفيد التقارير أن هذه الجهود جرت بتنسيق بين حكومة الولايات المتحدة وإدارة موقع تويتر. وتبددت هذه الشبكة الهائلة المزدهرة من الحسابات التي وصل عدد متابعيها إلى عشرات الآلاف.

لقد كان تأثير إزالة الحسابات كبيراً، حسبما أقر عبد الرحمن عبد الحميد، وهو من مناصري تنظيم داعش وله حساب على تويتر يتابعه 4000 شخص. وقد نشر عبد الحميد تغريدة في 14 سبتمبر/أيلول 2014 قال فيها “لقد تحدثنا كثيراً عن حذف الحسابات وعن الوسائل اللازمة لأن نصمد وندفع الناس لمتابعة جهودهم في حال تم تعليق حساباتهم أو حذفها … علينا أن نعترف بأن ما حدث هو كارثة ويجب علينا أن نتحلى بالصبر”

*****

تنظيم داعش ليس المجموعة الوحيدة حالياً التي تنتج مقاطع فيديو لما ترتكبه من عنف. وهناك جهات فاعلة أخرى تستخدم موقع يوتيوب لإيصال رسالتها إلى العالم، مثل جماعة بوكو حرام. كما انهمكت المنظمات الإجرامية في المكسيك بهذه الممارسة منذ عقد من السنين تقريباً.

ووفقاً للبروفيسور كالمون آلفيس، الخبير بالشؤون الإعلامية في أمريكا اللاتينية والذي يدرّس في جامعة أوستن في تكساس، “لقد كانت المكسيك رائدة في استخدام موقع يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر مقاطع فيديو مرعبة. وقد سبقت العصابات المكسيكية تنظيم داعش من حيث استخدام الصور التي تثير الرعب”.

وقد أظهرت العصابات الإجرامية استعدادها لاستخدام الصور الفظيعة من إجل بث رسائل محددة – وغالباً ما تكون رسائل فظيعة وملتوية. فقد قامت إحدى العصابات في مدينة نويفو لاريدو الحدودية بقطع رأس صحفي ينشر عبرالإنترنت في عام 2011 وصوّرت الرأس يرتدي سماعات وموضوعاً بجانب لوحة مفاتيح كمبيوتر. وبعد ثلاث سنوات من ذلك، قامت عصابة لتهريب المخدرات باختطاف ناشطة تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، ثم استخدمت العصابة حساب تويتر التابع للناشطة كي تعلن عن قتلها. ونشر القتلة الرسالة التالية في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2014:

(# reynosafollow) الأصدقاء والعائلة، اسمي الحقيقي هو ماريا ديل روساريو فوينتيس روبيو. وأنا طبيبة. واليوم انتهت حياتي.

تبع ذلك صورتان، الأولى ظهرت فيها روبيو على قيد الحياة وتحدّق في الكاميرا، والثانية ظهرت فيها ملقاة على الأرض وميتة من جراء عيار ناري في وجهها.

أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للعصابات المكسيكية وسيلة لنشر سجل مرئي للممارسات المرعبة التي تستخدمها. ومن بين هذه الممارسات ترك أجساد مقطعة في أماكن عامة، وتعليق لافتات على الجسور والبنايات تتضمن تهديدات، وكذلك في إحدى الحالات الشائنة، دحرجة رؤوس آدمية مقطوعة على أرضية نادي للرقص. وكان المقصود من هذه التصرفات نشر رسائل عامة للمجتمع المحلي وللعصابات الأخرى على حد سواء. وفي البداية سعت العصابات إلى السيطرة على التغطية الإعلامية حول أنشطتها من خلال تهديد وسائل الإعلام والمراسلين الصحفيين.

ولكن في مرحلة لاحقة، وإذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مدمجة في وسائل الإعلام التقليدية، غيرت العصابات المكسيكية استراتيجيتها، وهو ما فعله أيضاً تنظيم داعش. فما عادت رسائل العصابات تقتصر على الميادين في المدن، وأخذت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور أوسع بكثير. وهناك العديد من الأفلام التي تنشرها العصابات على موقع يوتيوب تتبع أسلوباً معيارياً: يُجبر عضو مختطف من عصابة أخرى على إجابة أسئلة يوجهها إليه محقق لا يظهر على الكاميرا. وتُنتزع منه رسالة “اعتراف” بالتهمة الموجهة إليه. ثم يُعدم الضحية، وأحياناً بأسلوب إعدام مثير للهلع. وقد أظهر أحد المقاطع المصورة إعدام ضحية عبر تقطيعه بمنشار كهربائي.

أخذت العصابات تضغط على الصحفيين لإيراد تغطية صحفية أكبر لهذه المقاطع المصورة. وواجهت وكالات الأنباء المكسيكية الأسئلة ذاتها التي واجهتها وسائل الإعلام الدولية بشأن ما ينبغي تغطيته إعلاميا من مقاطع الفيديو التي ينشرها تنظيم داعش، وتحديداً كيف يمكن نشر الأخبار من دون الدفع بالدعاية التي ترغب العصابات المكسيكية بنشرها.

وفي عام 2011، وافقت معظم المؤسسات الإخبارية الرئيسية في المكسيك على توجيهات إرشادية جماعية بشأن تغطية عصابات المخدرات. تتألف هذه الاتفاقية من عشر نقاط، ووقعها 50 شخصاً من مدراء وسائل الإعلام الرئيسية، ودعت وسائل الإعلام إلى رفض العنف الذي ترتكبه عصابات المخدرات، وتغطية أخبارها بطريقة متحفظة، والامتناع عن تصوير قادة العصابات بوصفهم “ضحايا أو أبطالاً”. وامتدح المسؤولون الحكوميون هذه الاتفاقية، إلا أن عدة منظمات إعلامية رئيسية رفضت التوقيع عليها، وشجبتها بوصفها شكلاً من أشكال الرقابة الذاتية والتي من شأنها تقييد التغطية الصحفية لموضوعات إخبارية مهمة. وعلى إثر ذلك تقلصت التغطية الإعلامية التي تتقصد الإثارة، إلا أنها لم تنتهي. وكما أشار آلفيس، وفرت مقاطع الفيديو “سرداً بصرياً درامياً يصعُب على وسائل الإعلام رفضه”.

وقال إسماعيل بوهوركيز، محرر صحيفة ريودوكو اليومية التي تصدر في مدينة كوليكان في ولاية سينالو، “لم نوقع أبداً على هذا الاتفاق لأن لدينا رؤية أخرى بشأن الصحافة وكيفية تغطية العنف. ففي سينالو، استمرت ما تُسمى بحرب لافتات عصابات المخدرات ونحن غطيناها صحفياً بصفة عامة. ونحن لا نشعر بأنه تم استغلالنا من قبل عصابات المخدرات. فما حدث كان وقائع، والعديد منها كان ينطوي على قيمة صحفية. وهذه لحظة تتطلب تغطية أكبر وأكثر عمقاً لعصابات المخدرات، وليس انسحابا من التغطية الصحفية”.

وسرعان ما وجدت العصابات وسيلة إعلامية جديدة، وهو موقع إلكتروني يحظى بشعبية هائلة يدعى ‘بلوغ دي ناكرو’. انتقد هذا الموقع وسائل الإعلام من التيار العام بسبب الرقابة الذاتية التي تمارسها، وأخذ ينشر جميع ما يتعلق بالعصابات ودون تأييد طرف ضد الآخر – إلا أن نشر مقاطع الفيديو أتاح نشر مناظر العنف التي ترتكبها العصابات وإطلاع جمهور أكبر عليها.

وفي نيجيريا، انطلقت نسخة مشابهة من ‘لعبة القط والفأر’ هذه، ومارست السلطات سياسات قمعية لتقييد نشر مقاطع الفيديو التي ينتجها تنظيم بوكو حرام، مما وضع الصحفيين تحت تهديد أكبر. وللمفارقة، اكتسبت بوكو حرام سمعة دولية بسبب الحملة الناجحة التي استخدمت وسم تويتر والتي ركزت على الاختطاف الجماعي لطالبات مدرسة على يد هذه الميليشيا الإسلامية. وجذبت حملة ‘أعيدوا إلينا بناتنا’ (#BringBackOurGirls) اهتماماً دولياً للعنف والاضطرابات المستمرة منذ مدة طويلة في شمال نيجريا، كما وضعت جماعة بوكو حرام في مركز الاهتمام. ولكن في نهاية عام 2014، ظلت الطالبات اللاتي يبلغ عددهن 219 طالبة قيد الاحتجاز؛ وهذا العدد يمثل جميع طالبات المدرسة التي استهدفتها عملية الاختطاف، أي 276، ما عدا الطالبات اللاتي تمكن من الفرار. وفي أواخر عام 2014، نشرت جماعة بوكو حرام مقطع فيديو سخرت فيه من المفاوضات التي تجريها الحكومة لتحرير الطالبات، وزعمت الجماعة بأنه تم تزويج الطالبات لمقاتلين إسلاميين.

استخدم مناصرو جماعة بوكو حرام وسم توتير ‘أعيدوا إلينا بناتنا’ كي ينشروا رسائل انتقامية محملة على موقع يوتيوب. وفي يوليو/تموز 2014، وزعت وكالة الأنباء الفرنسية مقطع فيديو يُظهر زعيم جماعة بوكو حرام، أبو بكر شيكاو، يضحك ويرقص بينما يغني: “أنتم تجولون وتقولون ‘أعيدوا إلينا بناتنا'”. ثم أضاف، “أعيدوا إلينا جيشنا”. وأصدر تنظيم داعش بيانا ساخراً مماثلاً، إذ تم تعديل المناشدة التي أصدرتها ميشيل أوباما للإفراد عن الطالبات المفقودات، لتصبح “أعيدوا إلينا سيارات الهمفي”.

وقال الصحفي النيجيري أحمد ساكيدا إن جماعة بوكو حرام تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع فيديو توزعها على صحفيين من أجل نشر رسائلها إلى الجمهور. نشأ ساكيدا في منطقة ميدوغوري في ولاية بورونو، وتوصف هذه المنطقة بأنها “مركز ثقل أنشطة بوكو حرام”. ويقوم زعماء بوكو حرام بإرسال معلومات لساديكا، الذي ظل لعدة سنوات ضابط الاتصال مع وسائل الإعلام الرئيسية. وظلت الجماعة ترسل إليه بانتظام مقاطع فيديو توثق أنشطة الجماعة ومطالبها. وكان ساديكا ينشر مقاطع الفيديو على الموقع الإلكتروني التابع للصحفية الذي يعمل بها، وكان غالباً يرسلها إلى الصحف المنافسة. وظلت مقاطع الفيديو تجتذب التغطية الإعلامية، وعادة ما كانت تناقض الروايات الحكومية بشأن الهجمات الرئيسية بالمتفجرات، من قبيل الاعتداء الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في أبوجا في عام 2011.

ويشير ساديكا، “السلطات تريد بث رواية واحدة فقط عندما يتعلق الأمر بموضوع الإرهاب”. وفي نهاية المطاف تعرض الصحفيون النيجيريون لضغوط شديدة من السلطات حتى امتنعوا عن تغطية نشاطات بوكو حرام. وأثار هذا الامتناع حنق جماعة بوكو حرام التي كانت تعتمد على وسائل الإعلام من أجل نشر رسائلها، وبدأت الجماعة بشن اعتداءات على وسائل الإعلام، من قبيل التفجيرات التي استهدفت مكتبين تابعين لصحيفة ‘ذيس داي’ والتي أعلنت الجماعة مسؤوليتها عنها. وقد اضطر ساكيدا لمغادرة نيجيريا بسبب تعرضه لضغوط من السلطات، وهو يعيش في المنفى حالياً في الإمارات العربية المتحدة.

وفي النهاية، فإن حرمان جماعة بوكو حرام من الوصول إلى وسائل الإعلام النيجيرية لم يمنع تدفق المعلومات. فقد باتت الجماعة تنشر رسائلها مباشرة عبر مقاطع فيديو على موقع يوتيوب، وتجتذب هذه المقاطع مئات الآلاف من المشاهدين. ويقول ساديكا إن جماعة بوكو حرام أخذت ترسل مقاطع الفيديو لوكالة الأنباء الفرنسية، بسبب الضغوط التي تعاني منها وسائل الإعلام المحلية. وبثت وكالة الأنباء الفرنسية مقطع فيديو أكتوبر/تشرين الأول 2014 صادر عن جماعة بوكو حرام، حيث نفت الجماعة المزاعم بمقتل زعيمها أبو بكر شيكاو، إضافة إلى صور تظهر مشاهد عنف مروعة، بما في ذلك رجم أشخاص يُزعم بارتكابهم الزنا، وقطع يد شخص يُزعم أنه سارق، وقطع رأس طيار أسير من سلاح الجو النيجيري.

تستخدم عصابات المخدرات في المكسيك وجماعة بوكو حرام في نيجيريا مقاطع الفيديو العنيفة التي توزعها لتكذيب مزاعم حكومتي البلدين بأنهما يحرزان تقدماً في احتواء العنف وحماية المواطنين. والغاية من هذه المقاطع المصورة هو إبراز عجز الحكومتين في أجزاء كبيرة من البلدين. وكلما زاد انتشار هذه الصور كلما زاد تأثيرها. لذا فإن هذه الجماعات مهتمة اهتماما كبيراً بالتغطية الإعلامية، في حين تسعى الحكومات لتقييد هذه التغطية. ولهذا وجد الصحفيون في كلا البلدين أنفسهم عالقين في الوسط.

*****

وكتب الصحفي بيرغر في مجلة ‘ذي إتلانتك‘، “فيما مضى كان يُعلن عن التقدم الذي يحرزه جيش ما بقرع الطبول. والآن أصبح يُعلن عنه بوابلٍ من التغريدات على موقع تويتر”.

في بداية النزاع الذي اندلع في سوريا، تركز الكثير من الحوار السياسي الدولي على كيفية التخفيف من معاناة المدنيين والتصدي لسجل العنف القاسي الذي ارتكبه نظام الأسد. وحالياً يتركز الحوار على احتواء تنظيم الدولة الإسلامية والحفاظ على استقرار المنطقة. وقد حدث ذلك لأن طبيعة النزاع تغيرت، وهو يدل أيضاً على طريقة النظر إلى النزاع وعلى فاعلية الجهاز الإعلامي لدى تنظيم داعش في نشر رسائله. وكما أشار الصحفي سانتياغو ليون من وكالة ‘أسوشيتد برس’، الصور الأولى التي برزت من سوريا كانت تمثل منظور الضحايا، أما اليوم فإن العديد من الصور تظهر النزاع من منظور مرتكبي العنف.

وعلى الرغم من أن تنظيم داعش وجماعة بوكو حرام وعصابات المخدرات المكسيكية لها أهداف واستراتيجيات مختلفة، إلا أنها جمعياً جهات فاعلة من غير الدول قامت بإنشاء أنظمة إعلامية متطورة استغلت صعود وسائل التواصل الاجتماعي من أجل نشر رسائلها. وعلى الرغم من أن الدول قامت أحياناً بتوثيق الفظاعات التي ترتكبها هي نفسها، إلا أن الجمهور المستهدف كان النظام البيروقراطي الداخلي لهذه الدول. وفي مقابل ذلك، تسعى الجهات الفاعلة من غير الدول إلى استخدام الهياكل الإعلامية القائمة لتضخيم الجمهور الذي يشهد أعمالها العنيفة. وفي المشهد الإعلامي المتواصل التطور، حيث أخذت وسائل التواصل الاجتماعي تندمج على نحو مطرد في وسائل الإعلام التقليدية، باتت الفرصة متاحة أمام مقاطع الفيديو التي يبثها مرتكبو العنف كي تصبح هي الأخبار. وتتوفر حالياً إمكانية وصول شبه فورية للاطلاع على فظاعات تحدث في شتى أنحاء العالم.

هذا التوجه لا ينحصر على الجماعات المسلحة المنظمة. ففي هذه البيئة الإعلامية، تتوفر فرصة لمرتكبي العنف ليس فقط لنشر الأخبار حول أنشطتهم، بل أيضاً تضخيم الرعب الذي تبثه في النفوس.

وتقول مادلين بلير، المسؤولة عن ‘قناة حقوق الإنسان’ في منظمة ‘ويتنيس’ [الشاهد] التي تدرّب الناشطين على استخدام الفيديو لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، “أصبحت هذه القضية أكثر انتشارا، وازداد إدراك أهميتها، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن حتى في الفترة التي سبقت بروز موقع يوتيوب، شهدنا وكتبنا عن عدد من أنماط مرتكبي الانتهاكات الذين يسجلون ويصورون العنف الذي يرتكبونه، ويستخدمون الصور كجزء من أساليب الإساءات التي يرتكبونها”.

وتعتقد مادلين بلير أن هذا التوجه يشكل تحدياً للجهات التي تعمل على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الصحفيون. وتقول، “فمن ناحية، تعمل مقاطع الفيديو على الكشف عن الإساءات وتوثيقها، ومن ناحية أخرى فإنها تعمل إما على إداءمة الإساءة أو تزيد الخطر الذي يهدد الضحايا”.

أثار انتشار مقاطع الفيديو التي يعدها مرتكبو العنف أسئلة أخلاقية مهمة، ليس فقط للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، بل أيضاً لشركات التكنولوجيا التي تستضيف مثل هذه المحتوى. وقد أوردت صحيفة ‘غارديان’ في سبتمبر/أيلول 2014 أن السلطات البريطانية أنشأت وحدة متخصصة في الشرطة تعمل بصفة مباشرة مع شركات مثل تويتر ويوتيوب “من أجل حجب وإزالة حوالي 1100 قطعة من العنف الفظيع يجري نشرها أسبوعياً، والتي تقول السلطات أن نشرها يتنافى مع القوانين البريطانية لمكافحة الإرهاب”.

ولا شك أن هذا سيثير أسئلة حول حرية التعبير على شبكة الإنترنت، ومن هي الجهة التي تسيطر على الإنترنت. ولم يكشف موقع تويتر عن ممارساته بشأن إزالة هذه المواقع، إلا أنه صرّح: “نحن نراجع جميع الحسابات المبلغ عنها لمعرفة ما إذا كانت تتقيد بالقواعد المحددة من قبلنا، والتي تحظر الاستخدام غير المشروع للتهديد والعنف”.

ويرى البروفيسور كالمون آلفيس أنه ينبغي على وسائل الإعلام التقليدية أن تحقق التوازن ما بين الصالح العام وبين الإدراك بأن “المعلومات قد أُنتجت كسلاح دعائي”. وبما أنه لا يمكن إزالة مقاطع الفيديو العنيفة إزالة تامة، يجب على وسائل الإعلام التقليدية أن تقوم بدور مختلف، ليس كمتحكمة بما يجب نشره وما لا يجب نشره، وإنما “كمزود للتحقّق”، من خلال توفير السياق الملائم والمنظور التحليلي. وأوضح آلفيس، “نحن ننتقل من بيئة إعلامية تتركز على وسائل الإعلام إلى بيئة إعلامية تتركز على الأنا. فقد أصبح الفرد هو الوسيط الإعلامي”.

ويقول المحرر الصحفي المكسيكي إسماعيل بوهوركيز إنه بسبب خبراته في ولاية سينالو فهو ينصح وسائل الإعلام الدولية ألا تحجم عن نشر مناظر العنف إذا كانت تمثل عنصراً أساسياً من القصة الإخبارية. وينبّه الصحفيين أنه “لا ينبغي عليهم تقييد أيديهم كي يغطوا أفواههم، فهذا يؤدي بالصحافة إلى التهلكة”.

الواقع الجديد يتطلب تحولاً أساسياً بالطريقة التي يتفاعل فيها الصحفيون ومستهلكو الأخبار مع المعلومات، وخصوصاً المعلومات التي تُنشر عبر القوى المتطرفة والعنيفة. وفي الحقبة التي مارست فيها وسائل الإعلام احتكاراً على المعلومات، كان بوسع الصحفيين أن يقرروا بصفة جماعية استثناء أصوات معينة. أما اليوم، فما عادت هذه السلطة بيدهم. وعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الجديدة في مجال المعلومات تتيح لأي شخص أن يتحدث، إلا أنها لا تتطلب من الجميع أن يستمعوا.

جويل سايمون هو المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين. سامانثا ليبي هي مسؤولة الدعوة والمناصرة في لجنة حماية الصحفيين. القسم حول الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم القاعة مقتبس عن كتاب جويل سايمون “الرقابة الجديدة: داخل المعركة العالمية من أجل حرية الإعلام” (منشورات جامعة كولومبيا، 2015).