بقلم: جيسيكا جيرات
خلال حرب البوير في جنوب أفريقيا قبيل بزوغ فجر القرن العشرين، عمدت مؤسسة إخبارية -في بادرة تنم عن قوة العزيمة- على نقل مراسلين ومحررين ومطابع إلى جبهات القتال حرصاً منها على الدقة في تغطية أخبار الحرب. وفي غيتو وارسو، أثناء الحرب العالمية الثانية، تطلب إنشاء مطبعة سرية للتصدي للدعاية النازية، نقل معدات الطباعة ثقيلة الوزن ليلاً لتجنب الوقوع في قبضة السلطات.
وقد ابتكر صحفيون مبدعون عبر التاريخ طرقاً للتغلب على العقبات اللوجيستية والرقابة وغير ذلك من العراقيل التي تقف في طريق تغطية الأخبار. واليوم، ربما لا يتطلب التكيف مع الظرف سوى حقيبة كتف تحتوي على كمبيوتر محمول وهاتف ساتلي وإمكانية الاتصال بالشبكة العنكبوتية، حيث يساعد التدوين والدعوات إلى التمويل في نشر الأنباء المستقلة.
تكتسب هذه الابتكارات أهمية جوهرية. لقد تم حبس صحفيين في الصين وإيران وإريتريا، كما ووُضع مدونون في فيتنام وكوبا وروسيا تحت المراقبة بل سُجنوا في بعض الحالات. كذلك يتم، وعلى نحو ممنهج، استهداف المراسلين والمصورين الذين يغطون أنباء الحروب الأهلية من سوريا إلى السودان من قبل الحكومات والجماعات الإرهابية. ويتعرض الصحفيون في شتى بقاع العالم للملاحقات القضائية والهجمات الإلكترونية والفصل من العمل لدوافع سياسية وسحب الإعلانات والاختطاف والقتل.
يعتبر التمويل من الجمهور [أو Crowdfunding] – وهو مناشدة عبر الإنترنت للتبرع والتأييد- واحداً من الطرق التي تكفل وجود تغطية مستقلة واستقصائية في البلدان التي تطبق قوانين قمعية لتنظيم الإعلان والتمويل، أو حيثما دفع العنف مؤسسات إخبارية تقليدية إلى التراجع من الميدان. ففي الصين، حيث الحكومة التي يديرها الحزب الشيوعي تضطهد وتسجن الأصوات المستقلة، وفر التمويل من الجمهور للصحفيين وسيلة حاسمة للعمل خارج نطاق الإعلام المسيطر عليه من قبل الدولة.
نشر الصحفي الصيني ليو جيانفينغ، وهو صاحب خبرة عمل 14 عاماً في ثلاث من كبريات المطبوعات، مناشدة للدعم المالي على موقع التواصل الاجتماعي ‘ويبو’ في يوليو/ تموز 2013. وقد وعد ليو، مقابل الربع مليون إيوان (حوالي 40000 دولار) التي حصل عليها بتزويد المشتركين معه بستة تقارير استقصائية كل سنة. ومن واقع إدراكه أن لديه قاعدة قراء متعطشة للتفاصيل بشأن قضايا لا يتمك تغطيتها بالشكل الكافي من قبل وضع الحكومة يدها على الأراضي -ولكن دون استعداد من أي صاحب مؤسسة للمجازفة بدعم تحقيقاته الصحفية- قرر ليو أن القيام بالمشروع منفرداً هو الطريق الوحيد للمضي قدماً.
وذكر ليو للمدون الضيف في لجنة حماية الصحفيين يان كونغ في شباط/ فبراير 2014 “لم أكن أريد أن أعمل ويداي مكبلتان بعد الآن”.
وعلى الرغم من أن ليو لم يجمع المبلغ الذي كان يستهدفه، إلا أنه نجح في جمع مال يكفيه أثناء تغطيته للأخبار. كما أن قاعدة مانحيه شكلت قاعدة قراء فورية له. وقد جذب أول تقاريره، الذي كان حول النزاعات على الأراضي في إقليم شاندونغ، أكثر من 1000 مشترك بالإضافة إلى 2472 نقرة حظي بها موقعه الإلكتروني، حسب يان.
بالنسبة لليون، فقد برهن التمويل من الجمهور على وجود جمهور قراء للتغطية المستقلة في الصين، فيما منحت خبرته وسمعته كصحفي مصداقية لعمله. وقال ليو ليان إن “كلا الطرفين في القصة قرأ التقرير واتفقا على أنه نُفذ بموضوعية”.
كذلك، لجأ فريق من المراسلين والمحررين في السودان يغطي أخبار النزاع في هذا البلد ويطلق على نفسه اسم ‘تقارير النوبة‘ إلى اجتذاب التمويل من الجمهور -وذلك لدعم التحقيق في المزاعم التي تقول إن الحكومة كانت تقصف وتهاجم المواطنين. لقد هدد النزاع الدائر بين الحكومة وحركة تحرير السودان-الشمال في جنوب ولاية كردفان حياة عشرات الآلاف من المواطنين الذين يقطنون منطقة جبل النوبة، فيما قُيدت حركة الصحفيين ووكالات الإغاثة وموظفي الأمم المتحدة. وبحسب الأرقام الواردة من مجموعة الأزمات الدولية التي تراقب أوضاع النزاعات، أدى القتال إلى تهجير 700000 شخص من جراء قصف القوات الحكومية للقرى التي تشتبه أنها تؤوي مقاتلين متمردين.
وفي ظل التغطية المحدودة للفظائع، بدأ المدنيون العالقون في القتال بتوثيق ما كان يجري من تلقاء أنفسهم. وقد انبثق عن هذه التغطية غير المحترفة فكرة تشكيل فريق ‘تقارير النوبة’ الذي أسسه عامل الإغاثة الإنسانية ريان بويت والمصور الفوتوغرافي المستقل تريفور سناب عام 2012. وقد رأى بويت وسناب في جهود التوثيق تلك التي قام بها أولئك الذين كانوا أكثر المتضررين من العنف كدليل على الحاجة إلى نافذة إخبارية ذات مصداقية.
وذكر سناب للجنة “أنهم حاولوا باستخدام كاميرات الهواتف الخلوية وما تيسر لهم أن يظهروا للعالم الحرب التي كانت نيرانها تجتاح المنطقة”.
وقد لجأ سناب وبويت إلى أسلوب التمويل من الجمهور لدفع ثمن كاميرات من مستوى احترافي وتطوير موقع على شبكة الإنترنت. وقال سناب “أطلقنا مبادرة للتمويل من الجمهور على موقع ‘كيكستارتر‘ ونجحنا في جمع 40000 دولار. وبما أن جميع العاملين كانوا من المتطوعين، فقد تمكّنا من إطلاق موقع وإعطاء تدريب وجلب المعدات لفريقنا البعيد المؤلف من صناع أفلام طامحين. والسبب وراء إطلاقنا موقع ‘كيكستارتر’ هو أنه كان الخيار الوحيد. لم تكن لدينا موارد وكانت الحرب تزداد سوءاً”.
تعاني المؤسسات الإعلامية الكبيرة، رغم رسوخها، من تكاليف الحفاظ على مكاتب باهظة الثمن في مواقع بعيدة أو خطرة، غير أن ‘تقارير النوبة’ كان قادراً بمبلغ 40000 على “إثبات أنه من الممكن الحصول على تدفق مستدام من الأخبار والمعلومات من مناطق الحروب”، على حد تعبير سناب الذي أضاف أن “موقعنا وفر المنظور الوحيد للنزاع على أرض الواقع كما أن تسجيلاتنا المصورة قدمت طريقة يمكن التحقق من صحتها لفهم ما كان يجري”.
ويقول سناب إنه بالإضافة إلى مخاطر إرسال التقارير من الخطوط الأمامية، تلقى الفريق تهديدات بالقتل وتمت قرصنة موقعه مرات عديدة كانت إحداها بعد نشر تقارير عن مزاعم بوقوع عمليات قصف حكومية (وقد نفى الجيش السوداني قصف جبال النوبة). ويضيف سناب، “إن القيام بمثل هذا النوع من الأعمال محفوف بالمخاطر فيما أظهرت الحكومة باستمرار استعدادها لتعذيب الصحفيين واعتقالهم في السودان. نحن نعيش هذا التهديد شبه الدائم”.
لقد وثقت لجنة حماية الصحفيين حالات عدة من اعتقال الصحفيين وتعرضهم للاعتداء في السودان. في إحدى الحالات التي وقعت عام 2012، اختُطفت في الخرطوم الصحفية المعارضة سمية إبراهيم إسماعيل هندوسة، ومن ثم تم جلدها وحلاقة شعرها على يد مجموعة تعتقد سمية أنها من عناصر أجهزة الأمن والمخابرات الوطنية. وقد تم استجوابها من قبل بعض العملاء بشأن تقارير لها قبل يومين من اختطافها، بحسب ما ذكرته تقارير الأنباء آنذاك.
وعلى الرغم من أن التمويل من الجمهور ساعد ‘تقارير النوبة’ على الشروع بالعمل، يسلِّم سناب بأنه قد لا يوفر نموذجاً مالياً مستداماً، ويقول “إنه عمل خطر. لا يمكنك التنازل عن أمرٍ كالأمن، لا يمكنك القول ببساطة ‘آسف لا يوجد مال للحماية الرقمية هذا الشهر’. غير أن كرم الناس كان عاملاً حاسماً في جعل كل هذا ممكناً وأظهر أن الناس في الولايات المتحدة يهتمون بهذا النزاع البعيد للغاية، وهو ما شكل مصدر إلهام”. لقد كان نجاح أولى مهمات الفريق على صعيد تغطية أخبار النزاع سبباً في جذب التمويل من مؤسسات أخرى، الأمر الذي مكن ‘النوبة’ من التوسع ودفع رواتب لموظفيه ومواصلة إعداد التقارير حول النزاع. يوجد لدى الفريق أربعة صحفيين في جبال النوبة يستخدمون فرقاً يصل عددها إلى أربعة مراقبين مدربين على جمع تسجيلات مصورة للأخبار العاجلة. كذلك يعمل فريق صغير من المراسلين في منطقة النيل الأزرق ويتعاون مع شبكة من الصحفيين داخل السودان.
لقد ساعد اللجوء إلى وسائط التواصل الاجتماعي أيضاً المنافذ المستقلة التي تصارع حكومات آخذة في رفع مستوى قمعها، ومن ضمنها حكومة هنغاريا التي فرضت سلسلة من القيود على الصحافة. فقد ضغط رئيس الوزراء فيكتور أوبران بعد وصوله إلى السلطة عام 2010، من أجل تمرير قانون الإعلام الذي رفع من مستوى المخاوف لدى الاتحاد الأوروبي بشأن الكيفية التي سيختار بها البرلمان الهنغاري المسؤولين عن تنظيم مجلس الإعلام المقترح. كذلك حظي القانون بانتقاد نيلي كروس، مفوضة الاتحاد الأوروبي لجدول الأعمال الرقمي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك. وقالت كروس في مقابلة أجرتها معها في يونيو/ حزيران 2012 مجلة ‘فيجيلو’ الأسبوعية التي تصدر في بودابست، إن ذلك القانون “يتعامل فقط مع 11 من أصل 66 توصية قدمها مجلس أوروبا دون ضمان استقلالية السلطة الإعلامية أو إيضاح جميع جوانب الغموض”.
كذلك استخدمت حكومة أوبران مسألة توزيع الإعلانات الرسمية إضافة إلى ضريبة تزداد نسبتها مع زيادة ربحية المؤسسة الإعلامية بهدف ممارسة ضغط على المنافذ الإخبارية المستقلة. وفي يونيو/ حزيران، حظرت الحكومة الهنغارية صندوق المنح النرويجية ‘نورواي غرانتس’ وهو صندوق بقيمة 17 مليون دولار من الحكومة النرويجية لفائدة منظمات المجتمع المدني مما تسبب بالضرر لصحيفة الأخبار الاستقصائية Átlátszó وهي من المستفيدين من الصندوق والتي تستخدم حرية طلب المعلومات في مساءلة الحكومة. ولم يثنِ الانخفاض المفاجئ في التمويل المجلة عن عزمها فتوجهت إلى القراء من أجل المساعدة ونجحت في جمع المال الكافي لتغطية العجز.
بدأت هذه الصحيفة عملها عام 2011 استجابة لما ارتآه مؤسسها بأنه نقص في التغطية المستقلة في هنغاريا. ويتناول مراسلوها بعمق قضايا من بينها التزوير الانتخابي وسوء التصرف بالمال العام ومزاعم بسيطرة الحكومة على الإعلام. وقال رئيس تحرير الصحيفة تاماس بودوكي للجنة حماية الصحفيين في أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2014 إن الأسئلة المتكررة لصحيفته على أساس قانون حرية المعلومات أدت بالحكومة إلى تمرير قانون لوقف “الطلبات الزائدة” للمعلومات.
وذكر بودوكي للجنة أن “الحكومة تعامل الإعلام كأداةٍ للدعاية… أصبحت شركات الإعلام التجاري أكثر حذراً شيئاً فشيئاً وتم إجبار الصحفيين على تجنب المواضيع الحساسة”. وأضاف أن “النتيجة هي: حرية صحافة محدودة للغاية في هنغاريا. هناك الكثير من الأمور التي يُحظر الخوض فيها والكثير من القصص المهمة تبقى طي الكتمان وعدد هائل من قضايا الفساد يمر دون أن يُكشف للعيان حتى لو كان هناك مصادر معلومات يمكنها تقديم الأدلة”.
ومنذ تأسيسها، تحولت صحيفة Átlátszó من منصة للتدوين الحر إلى موقع يعمل فيه أربعة صحفيين ومحرر متفرغ وآخر بدوام جزئي وثلاث محامين وعدد كبير من الصحفيين المستقلين. يزور الموقع 500000 زائر كل شهر. وقل بودوكي إن الصحيفة لجأت إلى جمهور مؤيديها في يونيو/ حزيران 2014 في مناشدتها الجمهور لتمويلها. وفي الأشهر الأولى القليلة من استعمال المساعدات الواردة من المؤيدين، اجتذب الموقع 1500 مشترك، حسبما ذكره بودوكي للجنة حماية الصحفيين.
قد لا يغطي التمويل من الجمهور التكاليف الجارية على الأمد طويل كما أن الاستفادة منه في تغطية نفقات الصحفيين لا يزال في مرحلته التجريبية، غير أنه ثمة مؤشرات على أن بعض القراء يصبحون أكثر تلهفاً على ملء الفراغ عندما توقف الحكومات إمكانية الحصول على المعلومات، حتى لو كان ذلك يعني تمويل التغطية المستقلة من أجل الاطلاع على القصص التي يجري هجرانها من قبل الصحف الرئيسية.
شكل الفراغ الحاصل في التغطية المستقلة دافعاً قوياً لمجتمعات التدوين في فيتنام والصين. ففي كلا البلدين توفر الإنترنت منبراً لتغطية وتوثيق القضايا الحيوية من قبيل وضع اليد على الأراضي والاحتجاجات المعادية للصين في فيتنام وحقوق الأقليات والفساد في الصين، بقدر يتجاوز ما تنشره المنافذ الإعلامية المسيرة من قبل الدولة. وفي فيتنام هناك ضغط من أجل منح الشرعية للمدونين ومحاولات لمواجهة الحكومة بشأن المضايقات التي يواجهونها. وعلى الرغم من أن معظمهم يكتب بأسماء مستعارة، أفصح كثير منهم عن هويته عام 2013 عندما أطلقت شبكة المدونين الفيتناميين حملة ضد المضايقات التي تتعرض لها الصحافة. وقد وقَّع 130 مدوناً مطلباً عبر هذه الشبكة بإجراء إصلاحات قانونية.
ولم تلن عزيمة المدونين الفيتناميين على الرغم من المخاطرة بالتعرض للاعتقال والمراقبة. وقال نغوين نغوك نو كوين، الذي يكتب باسم مي نام (ماما فطر)، للجنة حماية الصحفيين: “ما كان يحدث في مجتمعنا كان شيئاً بشعاً. وتساءلت في مدونتي: لماذا يجب علينا موافقة الحكومة على كل شيء؟ لماذا لا يجوز لنا أن نختلف في الرأي؟”
حتى عندما كانوا يُسجنون، كان المدونون يعبرون عن تأييدهم لحرية الصحافة. فقد سُجن نغوين فان هاي -وهو من أبرز هؤلاء المدونين وكان يكتب تحت اسم ديو كاي (غليون الفلاح)- من عام 2008 حتى عام 2014 كان خلالها يوضع في الحبس الانفرادي في بعض الأحيان وكانت زيارته تقتصر على أسرته، كما أنه أضرب عن الطعام. وقد سُجن هاي الذي كان يكتب عن الخلافات والمخاوف فيما يتعلق بالتدخل الصيني في فيتنام، بتهم مناهضة الدولة.
على الرغم من المعاناة التي مر بها وإبعاده عن بلده بعد أن أطلقت السلطات سراحه، بقي ديو كاي مصمماً على النضال من أجل قضية المدونين والحصول على تغطية إخبارية مستقلة في فيتنام. وفي كلمة له في حفل توزيع جوائز لجنة حماية الصحفيين لحرية الصحافة بعد إطلاق سراحه عام 2014، تساءل كاي: “لماذا يقمعوننا بمثل هذه الأحكام القاسية فيما كان كل ما فعلناه هو مجرد التعبير عن تطلعاتنا بسلمية على الإنترنت؟” وأضاف “لقد منحتنا تكنولوجيا المعلومات أداة جديدة. فنحن نستخدم المدونات والفيسبوك… لممارسة حقنا في حرية الصحافة وحرية الكلمة”.
لقد وفرت التطورات التي تحققت على صعيد التكنولوجيا بعض الحماية للصحفيين الذين يتعرضون للرقابة من قبل الحكومات أو الجماعات المسلحة والذين قد تتعرض حياتهم للخطر إذا ما جرى الكشف عن هويتهم أو موقعهم. وفي استجابة انبثقت جزئياً عما تكشف من معلومات عن المدى الذي يصل إليه ذراع برامج المراقبة التي تقوم بها وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة، طورت شركات مثل ‘أبل’ و ‘فيسبوك’ طرقاً لحماية الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول في التواصل. وعليه، أصبح أحدث نظم تشغيل البرامج من ‘أبل’ يشتمل على تشفير آلي، فيما أعلن موقع ‘فيسبوك’ أواخر عام 2014 عن وصلة ارتباط آمنة مع برنامج تور تمكِّن المستخدمين من تسجيل الدخول دون كشف اسم المستخدم الخاص بهم أو موقعهم. وقد أصبح هذا المشروع أداة حيوية بالنسبة للصحفيين حيث زودهم بمستوى ما من إمكانية إخفاء هويتهم عند الاتصال بالمصادر، وإرسال ملفات القصص إلى الخارج أو التمتع بإمكانية الحصول على المعلومات والأخبار التي تم حجبها بواسطة أنظمة الحماية الحاجزة (فاير وول) التابعة للأنظمة القمعية. وعن طريق إخفاء موقع المستخدم وتاريخ التصفح الخاص به، يعمل هذا البرنامج المجاني على تمكين الصحافة المستقلة في الأماكن التي تُحكم الحكومات قبضتها بشدة على الإنترنت والإعلام.
بما أن بعض الصحفيين يحتاج إلى إخفاء مواقعه، كانت تقنية تحديد الموقع العالمي (جيه بي إس) أداة حيوية أيضاً بالنسبة ‘لتقارير النوبة’ التي تستخدم موقع مراسليها الموجودين على الأرض للتثبت من الروايات المتعلقة بوقوع قصف أو فظائع. يقوم المراسلون بتصوير المقابلات التي يجرونها مع الشهود والأدلة على حدوث قصف ويستخدمون أجهزة تحديد الموقع جيه بي إس عند تحميل الملفات إلى المحررين المقيمين بعيداً.
وقال سناب إن “هذه طريقة لمنع التحيز في التغطية كما أنها تضفي شرعية على قصصنا. لقد نفى السودان باستمرار قصفه لمناطق مدنية، غير أن قاعدة بياناتنا التي تحوي [معلومات عن] آلاف القنابل التي أُسقطت مع إحداثيات نظام تحديد الموقع جيه بي إس [تقدم] تغطية قوية تقول عكس ذلك”.
وأضاف سناب أنه فضلاً عن صنع أفلام إخبارية قصيرة عن تأثير الحرب على المدنيين “استطعنا التحقق من صحة تسجيلات مصورة عُثر عليها تُظهر طالباً تم اعتقاله وتعذيبه. لقد سافر فريقنا ثلاثة أيام عبر أراضٍ خطرة للعثور عليه”. وفي مناسبة أخرى، جمع صحفيو النوبة شهادات من سكان بلدة سويت بالأرض حيث عُثر على تسجيل مصور “لكتيبة الكبريت” -وهي مجموعة قيل إنها أُعطيت أوامر من الحكومة السودانية بإحراق قرى في المنطقة. وقد استخدمت وكالات كبرى مثل ‘أسيوشيتد برس’ و ‘رويترز’ و ‘فرانس 24’ و ‘بي بي سي’ و ‘أوول أفريكا’ و ‘صوت أمريكا’، محتوى هذا العمل، حسب قوله.
وتابع سناب قائلاً إن “تقارير النوبة تجربة جريئة للكيفية التي نغطي بها أخبار النزاعات عندما تكون التغطية الخارجية شبه مختفية ويكون السكان المحليون هم من يستطيع، ومن يقوم بتغطية الأخبار لنا. لم يزر جنوب كردفان سوى صحفي واحد أو اثنان خلال السنة الماضية -لذا فإن تغطية حرب تؤثر على مئات الآلاف من الناس وتدور فيها معارك ضخمة بالدبابات بين جيوش كبيرة وحملة قصف مكثف، ما كانت لتتم، بحرفية العبارة، لو لم نكن هناك”.
جيسيكا جيرات هي محررة متقدمة في لجنة حماية الصحفيين. قامت في السابق بتحرير الأخبار للصحف المطبوعة ذات القطع العريض في المملكة المتحدة ومن ضمنها ‘ذي تليغراف’ والمكتب الخارجي لصحيفة ‘تايمز’. تحمل جيسيكا درجة الماجستير في الحرب والدعاية والمجتمع من جامعة كينت بكانتربري. أسهم في إعداد هذا التقرير كبير ممثلي اللجنة في جنوب شرق آسيا شوان كريسبن، ومنسقة برنامج أوروبا وآسيا الوسطة نينا أوغنيانوفا، والمدون الضيف يان كونغ.