قلم: شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
كان مناخ حرية الصحافة في الأردن فيما مضى نبراساً مضيئاً في الشرق الأوسط، إلا أنه شهد تراجعاً سريعاً إذ يكافح الصحفيون للتعامل مع الحظر الذي فرضته الحكومة في العام الماضي على قرابة 300 موقع إلكتروني إخباري.
وأخذت الجماعات المعنية بحرية الصحافة توثّق تصاعداً في الرقابة الذاتية وازدياداً في القضايا الجنائية ضد الصحفيين. ويتذمّر المحررون والصحفيون المحليون العاملون في وسائل الإعلام الإلكترونية من صعوبات اقتصادية وضغوط نفسية.
وعلى الرغم من أن معظم المواقع الإخبارية التي شملها الحظر تمكنت لاحقاً من الحصول على الترخيص الحكومي المطلوب، إلا أن بعضها رفض تقديم طلب ترخيص وما زالت محجوبة، بما في ذلك موقع ‘حبر’ الإلكتروني. وأخبرتني لينا عجيلات، وهي من مؤسسي موقع ‘حبر’ ورئيسة تحريره، أنه “من السخف” السعي للحصول على إذن من الحكومة لتشغيل موقع يعمل منذ سبع سنوات ومسجل منذ عام 2009 لدى وزارة التجارة والصناعة.
وقاوم محررون صحفيون آخرون في البداية متطلبات الترخيص وأبقوا على مواقعهم محجوبة لأسباب مبدأية. وانتظر صحفيون آخرون حتى تعهدت السلطات الأردنية بتعديل القانون، وذلك في إطار التوقيع على اتفاقية مع الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول، ومن بينهم داؤود كتّاب، مؤسس موقع ‘عمان نت’ والذي حاز في عام 1996 على الجائزة الدولية لحرية الصحافة التي تقدمها لجنة حماية الصحفيين، وباسل عكور مؤسس ورئيس تحرير موقع ‘جو 24‘.
وفي حين جرت عملية الترخيص بيسر لمعظم المواقع ودون أن تتكبد رسوماً مالية، إلا متطلبات الترخيص تفرض على المواقع الإلكترونية أن يكون رؤساء التحرير فيها من أعضاء نقابة الصحفيين التي تعترف بها الحكومة، وأن تقوم بحفظ كافة المواد لمدة ستة أشهر على الأقل. كما تتحمل المواقع المسؤولية عن أي محتوى أو تعليقات غير مرغوبة يتركها القراء.
وتؤدي هذه القيود التي تبدو بسيطة إلى تبعات ضارة. وقال لي داؤود كتّاب إن الحظر على المواقع الإلكترونية ترك أثراً رهيباً على المواقع الإخبارية التي انتقدت الملك وأوردت تغطية صحفية حول احتجاجات المعارضة السياسية. كما كان لعملية الاحتجاز الطويلة لصحفيين اثنين من موقع ‘جفرا’ في الخريف الماضي (نضال الفراعنة وأمجد معلا) “تأثير الضربة المزدوجة” حسب تعبير داؤود كتّاب.
وقد احتُجز الصحفيان بأمر من المحكمة العسكرية في سبتمبر/أيلول على خلفية اتهامات تتصل “بالأمن الوطني”، وذلك بسبب مقطع فيديو نُشر على الموقع، وقد أُفرج عنهما بالكفالة في 31 ديسمبر/كانون الأول. ونتيجة لحكم السجن الصادر بحقهما، ظهر الأردن في العام الماضي على إحصاء الصحفيين السجناء الذي تعدّه لجنة حماية الصحفيين، ولذلك للمرة الأولى منذ تسلم الملك عبدالله الثاني مقاليد السلطة في عام 1999.
يُصدر مركز حماية وحرية الصحفيين الأردني مؤشراً سنوياً للرقابة الذاتية، وقد صعدت قيمة المؤشر بشدة في عام 2013. ووجد استطلاع أجراه المركز للصحفيين الأردنيين أن 21.3 بالمائة منهم يعتقدون أن حرية الإعلام تراجعت بشدة خلال العام، مقارنة بنسبة 14 بالمائة فقط خلال عام 2012. إضافة إلى ذلك، أبلغني المدير التنفيذي للمركز، السيد نضال منصور، أن المركز لاحظ زيادة في عدد الصحفيين الذين دافع عنهم في إطار قضايا قانونية مرفوعة ضدهم.
وقد استُدعي باسل عكور، محرر موقع ‘جو 24’ إلى المحكمةعلى خلفية اتهامات بتوجيه إهانات، وذلك بعد فترة وجيزة من تقدمه بطلب للحصول على ترخيص، وذلك لأنه سخر من نائب في البرلمان متحالف مع الحكومة، وكان هذا النائب قد اتهم العكور وصحفيين غيره بالضغط على الحكومة من خلال السعي لدعم أجنبي لرفع الحظر المفروض على الموقع الإلكترونية. وما زالت القضية قيد النظر أمام القضاء، وفقاً للعكور.
وأخبرني العكور، “لقد واجهنا ضغوطاً نفسية شديد. فكلما كتبتُ شيئاً ما، علي أن أتوقع أنه سيكون سبباً لنهاية مسيرتي المهنية”.
دَفَعت هذه القيود العديد من المواقع الإلكترونية البارزة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لعملها ونشره، إذ أن القيود الحكومية لم تشمل وسائل التواصل الاجتماعي. وحالما تعرّض موقع ‘حبر’ للحجب، تمكّن القائمون عليه من التواصل مع 30,000 شخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال سبع ساعات، لإبلاغهم بطريقة الالتفاف على الحظر من خلال مواقع موازية وخوادم وكيلة على شبكة الإنترنت، حسبما أخبرتني لينا عجيلات. وقد وصل عدد متابعي موقع ‘حبر’ 127,000 شخص عبر مجموعة على موقع فيسبوك، وذلك لغاية أواسط مايو/أيار.
بيد أن المواقع الموازية أبطأ لتصفح الإنترنت، كما أن أدوات الالتفاف على الحظر ليست سهلة الاستخدام، حسبما قال داؤود كتاب. وقد خسر موقع ‘جو 24’ قرابة نصف زواره اليوميين وحوالي 90 بالمائة من تعليقات القراء؛ أما التعليقات المتبقية فمعظمها من مستخدمين مجهولين، وفقاً لما قاله باسل عكور. إضافة إلى ذلك، فإن الرواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لن يعوّض عن الدخل الذي كانت تحصل عليه المواقع من الإعلانات. وقال لي داؤود كتّاب، “ببساطة نحن خسرنا قراءنا لحساب مارك زوكربيرغ (مدير عام موقع فيسبوك)”.
ويسعى الصحفيون للحصول على مساعدة من المجتمع الدولي للضغط على الحكومة كي تعتمد أسلوب التنظيم الذاتي لقطاع المواقع الإلكترونية، وذلك كإطار للصحافة الأردنية. وفي عام 2012 عملت منظمة اليونسكو مع الحكومة الإردنية على إعداد إطار الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية للفترة 2013-2017 للأردن. ووفقاً لهذه الخطة، وافقت الحكومة على دعم ثلاثة عناصر للإصلاح الإعلامي، وهي: التنظيم الذاتي، وتعديل أنظمة الإعلام، وتشجيع المهنية الإعلامية.
وقد أصيب الصحفيون المحليون بخيبة أمل إذ أحجم الرئيس الأمريكي أوباما عن توجيه انتقادات علنية لسجل الإصلاح في البلد عندما زار الأردن في العام الماضي، أو عندما توجه الملك عبدالله في زيارة إلى واشنطن في فبراير/شباط. أما كاثرين أشتون، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والتي زارت الأردن بعد فترة وجيزة من فرض الحظر، فقد امتدحت الملك على رؤيته الإصلاحية.
شعر الصحفيون الأردنيون بالقلق أيضاً من خطوة اتخذتها الحكومة في اليوم العالم لحرية الصحافة. فقد ألحقت دائرة المطبوعات والنشر بهيئة الإعلام المرئي والمسموع التي يرأسها أمجد القاضي، وهي خطوة قد تعني تطبيق أنظمة على وسائل الإعلام الإلكترونية شبيهة بالأنظمة المطبقة على وسائل الإعلام التقليدية.
وبالتالي قد يكون من اللازم ممارسة بعض الضغط على الحكومة كي تفي بالتعهدات التي قطعتها في سياق اتفاقياتها مع الأمم المتحدة بموجب إطار المساعدة الإنمائية وآلية مراقبة حقوق الإنسان التي تُدعى الاستعراض الدوري الشامل. كما أطلق الملك وعوداً علنية بإصلاح وتعديل قانون المطبوعات والنشر الأردني.
أما فكرة أن يتمكن بلد ليست الأوضاع فيه سيئة للغاية من النجاح في فرض إجراءات تقييدة ليست سيئة للغاية، فهي فكرة تثير المخاوف لدى الصحفيين الأردنيين. وقد دعا العكور وصحفيون آخرون المجتمع الدولي، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية، إلى بذل ما تستطيعه من جهد، حتى إن لم يكن الوضع في الأردن سيئاً بقدر سوء الأوضاع في البلدان المجاورة. ويقول العكور، “القيود تشبه الحرية من حيث أنها فكرة تنمو وتصبح طريقة تفكير. يجب علينا إيقاف هذه القيود قبل أن تتفاقم وقبل فوات الآوان”.
(تغطية من العاصمة الأردنية، عمان)