الاختبار الأول لمستقبل حرية الصحافة في مصر منذ وصول محمد مرسي إلى منصب الرئاسة، لا يسير على نحو جيد.
بقلم: داليا الزين/ باحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين
الاختبار الأول لمستقبل حرية الصحافة في مصر منذ وصول محمد مرسي إلى منصب الرئاسة، لا يسير على نحو جيد.
في الواقع، قليلة هي الأمور التي تسير على نحو جيد في مصر حالياً. لقد عدت مؤخراً من زيارة امتدت شهراً إلى مصر، وكانت البلاد غارقة في الفوضى. فالصراع على السلطة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين الذي يمثله محمد مرسي، أدى إلى حل الغرفة الأولى من مجلس النواب، أي مجلس الشعب. ولا يوجد دستور في البلاد حالياً؛ وعمد المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إصدار الإعلان الدستوري المكمّل للدستور المؤقت الذي صدر في الربيع الماضي، ومنح المجلس لنفسه السلطة الحصرية لإدارة شؤون الدولة تاركاً للرئيس المصري دوراً مراسيمياً إدارياً. علاوة على ذلك، أخذت النفايات تتراكم في شوارع القاهرة لفترات أطول مما هو معهود، واختفى عناصر شرطة تنظيم السير. وما زال التيار الكهربائي يصل إلى المواطنين، ولكنه بالكاد يكفي.
وفي هذه الأثناء، وفي 3 يوليو/تموز، أعلنت الغرفة الثانية من مجلس النواب، أي مجلس الشورى، والذي يسيطر عليه حزب الحرية والعدالة (ولم يُحل هذا المجلس – لغاية الآن)، بأنه سيبدأ باستقبال طلبات لإشغال مناصب رؤساء تحرير المطبوعات التي تديرها الحكومة، بما في ذلك صحيفتا ‘الأهرام’ و ‘الأخبار’ اليوميتان الشهيرتان، وفقاً لتقارير الأنباء. وستنظر في الطلبات لجنة من 14 عضواً مؤلفة من ستة أعضاء في مجلس الشورى، وأربعة صحفيين مخضرمين، وأربعة أساتذة جامعات من المتخصصين بالاتصالات؛ وبعد ذلك ستقوم لجنة مؤلفة حصرياً من أعضاء في مجلس الشورى بالاختيار النهائي للمرشحين، وفقاً لتقارير الأنباء.
أثناء نظام الرئيس السابق حسني مبارك، كان مجلس الشورى يقوم ببساطة بتعيين رؤساء التحرير حيث يختار أشخاصاً من مناصري النظام لشغل هذه المناصب المهمة كي يضمن تغطية إعلامية متعاطفة مع النظام. وقد سيطر مبارك بإحكام على الصحف الوطنية، فلم يكن يصدر أي عدد من الصحف الحكومية دون أن تنشر صورته على الصفحة الأولى. وتُظهر أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن العديد من رؤساء تحرير الصحف كانوا فاسدين؛ وإذا ما جرؤ أي منهم على الخروج عن طاعة الحزب الحاكم، كان يتم استبداله. وحتى بعد الإطاحة بمبارك، استخدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة أسلوب المحاكمات المسيسة لترهيب الصحفيين.
وعلى الرغم من أن عقد الانتخابات شكّل تحولاً عن النظام السابق، إلا أن سلطة تعيين رؤساء تحرير الصحف ما زالت بيد مجلس الشورى. وقد أعربت نقابة الصحفيين المصريين عن شجبها الشديد لهذا القرار، وشارك مئات الصحفيين في تظاهرة احتجاجية ضده، وفقاً لتقارير الأنباء. وقال الصحفي وعضو نقابة الصحفيين، هشام عباس، في مقابلة مع قناة ‘الجزيرة’ في 6 يوليو/تموز إن النقابة تعتبر هذا الأمر على أنه محاولة من قبل جماعة الأخوان المسلمين لتعيين مناصريها في مناصب رئيسية، تماماً كما كان يفعل الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه مبارك. وزعم صحفيون محليون آخرون بأن جماعة الأخوان المسلمين ستستخدم هذه العملية للتخلص من رؤساء تحرير الصحف الناقدين للحركة الإسلامية.
وقال الصحفي جمال فهمي، وهو عضو متقدم في نقابة الصحفيين، لصحيفة ‘الحياة’ اليومية، “إنهم يخترعون نظاماً … حيث تُدار الصحافة مثل مؤسسة مكرسة لخدمة مصالح الحزب الحاكم من خلال إخضاعها لسيطرة مجلس الشورى”.
علاوة على ذلك، ثمة شكوك في شرعية إجراءات مجلس الشورى، كون سيطرة المجلس على جميع المطبوعات التي تملكها الحكومة منبثقة عن نص الدستور الذي تم إلغاؤه. وثمة دستور جديد قيد الإعداد حالياً من قبل لجنة عيّنها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث سيحدد الدستور الجديد علاقة جديدة بين مجلس الشورى وبين الصحف الوطنية، حسب تقارير الأنباء. لذا، فما هو داعي الاستعجال لتعيين رؤساء جدد للصحفة الوطنية؟
ذهب الصحفي ضياء الرشوان في مقال كتبه في صحيفة ‘المصري اليوم’ إلى أن مجلس الشورى يحاول استباق الدستور الجديد، والذي من المتوقع أن يغير علاقة مجلس الشورى مع الصحف الوطنية.
وزعم أعضاء في مجلس الشورى أن تعيين رؤساء تحرير جدد للصحف سيتيح إزاحة المحررين الفاسدين من مناصبهم والشروع في بداية جديدة، خصوصاً عبر إعلان قائمة متطلبات جديدة للمؤهلين لهذه المناصب، وفقاً لتقارير الأنباء. ومن بين هذه المتطلبات: يجب أن يكون سن المرشح أقل من 60 عاماً، وألا يكون لديه سوابق جنائية، وأن يكون قد عمل لمدة 15 عاماً في الصحيفة التي يترشح لرئاستها. وإذا لم يتقدم مرشحون ملائمون تنطبق عليهم هذه المتطلبات، فيمكن حينها النظر في تعيين مرشحين خارجيين.
لقد وجدتُ الكثير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل توتير وفيسبوك من الصحفيين المحليين يعربون فيها عن سخطهم جراء هذه الخطوة، وجميعهم يرون أنها عودة إلى عهد الرقابة على الصحف.
وقالت عبير سعدي، نائب رئيس نقابة الصحفيين المصريين، عبر موقع تويتر “المشكلة هي … أن الصحافة ما تزال تخضع لسيطرة مجلس الشورى دون إقامة هيئة مستقلة للإعلام”.
وقد دعت نقابة الصحفيين المصريين إلى تأسيس لجنة مستقلة للإشراف على عملية اختيار شفافة، حسب تقارير الأنباء.
وعلى الرغم من أن الرئيس محمد مرسي أكد على التزامه بحرية الصحافة أثناء اجتماعه في 28 يونيو/حزيران مع رؤساء المؤسسات الإعلامية، إلا أنه ظل بعيداً عن هذا الجدال، وهو منشغل بالصراع على السلطة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ومن جانبه، يتسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بسجل ضعيف في تشجيع الحريات الصحفية خلال حكمه الممتد منذ 16 شهراً. وقد وثّقت لجنة حماية الصحفيين أكثر من 100 اعتداء على الصحفيين خلال هذه الفترة، إضافة إلى تحقيقات جنائية وتهديدات وقضايا في المحاكم ضد الصحفيين الذين انتقدوا تصرفات هيئات الجيش.
وبصرف النظر عن مصدر القيود المفروضة على الصحافة، فإنها تعيق إرساء الديمقراطية. وبصرف النظر عن هوية الجهة الحاكمة، سواء أكانت المجلس العسكري أم جماعية الإخوان المسلمين أم محمد مرسي أم جميع هؤلاء أم لا أحد منهم، تظل الصحافة أمراً حيوياً لتمكين الناس من الوصول إلى المعلومات، وخصوصاً في مثل هذه الأوقات التي يلفها الغموض.
ربما كان أحد المشاهد التي رأيتها في مصر والذي يدفع إلى الأمل هو شهية المواطنين الكبيرة للحصول على المعلومات. فقد كان المواطنون من مختلف الفئات يطالعون الصحف المستقلة والصحف الحكومية في كل مكان توجهت إليه. وبحلول وقت الظهيرة، عادة ما تكون أكشاك بيع الصحف في جميع أنحاء القاهرة قد باعت جميع الصحف التي لديها. وإذا ما واصل مجلس الشورى هذه العملية واستخدمها لفرض الرقابة على الصحف المملكة للدولة، فستقع المسؤولية على كاهل الصحف المستقلة كي تزود المواطنين بالأخبار. ولكن هذه الخطوة ستمثل نكسة كبيرة لحرية الصحافة وللديمقراطية والتي تتوق إليها البلاد.