أهم التطورات
> لجوء السلطات إلى الرقابة وحبس الصحفيين لإسكات التغطية الصحفية حول العائلة المالكة.
> المحاكم المسيسة تفرض غرامات باهضة في قضايا التشهير.
أرقام مهمة
100,000 نسخة من صحيفتين أسبوعيتين أتلفتها السلطات لاحتوائهما على استطلاع رأي بشأن الملك.
بينما كان الملك محمد السادس يحيي الذكرى السنوية العاشرة لاعتلائه العرش العلوي، كانت حكومته ماضية بقوة في فرض رقابة على تغطية ما يتعلق بالعائلة المالكة وإسكات التقارير الإخبارية الناقدة، وهو ما يزيد من القلق القائم إزاء مستقبل الصحافة المستقلة في المغرب.
ويطال الانتقام حتى من نقل الأخبار الإيجابية عن الملك ذي الستة والأربعين عاماً والذي وُصف بالانفتاح عند خلافته لوالده الملك الحسن الثاني في 1999. ففي الأول من آب/ أغسطس، أتلفت السلطات أكثر من 100,000 نسخة من أسبوعية “نيشان” الناطقة بالعربية وشقيقتها أسبوعية “تيلكيل” الناطقة بالفرنسية اللتان احتوتا على نتائج استطلاع للرأي العام أظهر أن 91 في المائة من المستطلعين ينظرون إلى الملك بشكل ايجابي. وبعدها بثلاثة أيام، منعت الحكومة عدداً لصحيفة “لوموند” الفرنسية من الصدور لاحتواءه على نتائج الاستطلاع. وفي تصريح للصحفيين، قال وزير الاتصال خالد الناصري إن “إجراء استطلاع يهدف إلى معرفة آراء المواطنين إزاء تصرفات الملك هو في حد ذاته انتهاك لمبادئ النظام الملكي وأسسه. وفي المغرب، لا يمكن أن يكون النظام الملكي محلاً للنقاش حتى وإن كان ذلك من خلال الاستطلاعات”.
لقد أصبح التناول النقدي للعائلة المالكة يعتبر من الجرائم في الواقع العملي، إذ يسمح قانون الصحافة سيء الصيت الصادر في 2002 للحكومة بحظر الصحف المحلية أو الأجنبية إذا ما وجدت بأنها “تسيء إلى الإسلام أو النظام الملكي أو الوحدة الترابية أو النظام العام”. وثمة 26 مادة مستقلة تفرض عقوبات بالسجن لمزاولة أنشطة صحفية تعتبر مسيئة، في حين أن إهانة العائلة المالكة تنطوي على مخاطرة بالغة إذ تتراوح عقوبتها من ثلاث إلى خمس سنوات في السجن. وبموجب الدستور، فإن شخص الملك “مقدس لا تنتهك حرمته”.
وقد استخدمت السلطات هذه الأدوات القانونية لعرقلة توزيع عدد صحيفة “لوموند” الصادر في 15 تموز/ يوليو وتأخيره، وحظر عدد الأسبوعية الفرنسية “لو كورييرانتترناسيونال” الصادر في 9-15 تموز/ يوليو، حسبما أفادت تقارير إخبارية. وكانت صحيفة لوموند قد نشرت مقالاً للرأي بقلم أبو بكر جامعي، رئيس التحرير السابق لأسبوعية “لوجورنال إيبدومادير” المغربية الناقدة، وصف فيه سياسة الملك في مجال الصحافة بأنها “حرب على الصحافة المستقلة”. كما أعاد العدد المحظور من صحيفة “لو كوريير انتترناسيونال” طباعة مقال يتناول الثروة الشخصية للعاهل المغربي، وهو مقال نشر في بادئ الأمر في لوجورنال إيبدومادير. وكان المقال مشفوعاً برسم افتتاحي كاريكاتوري أطلق على محمد السادس لقب “أغنى ملوك الفقراء!”
كما كانت التساؤلات بشأن صحة الملك من المحرمات. ومن ذلك أن محكمة في الرباط حكمت في تشرين الأول/ أكتوبر على مدير تحرير أسبوعية “المشعل” المستقلة إدريس شحتان بالسجن لمدة عام بتهمة “نشر معلومات كاذبة” عن صحة محمد السادس في وقت لم يكن يظهر فيه الملك أمام العلن، وذلك حسبما قال صحفيون محليون للجنة حماية الصحفيين. كما قضت المحكمة بحبس الصحفيين مصطفى حيران ورشيد محاميد من أسبوعية “المشعل” لمدة ثلاثة أشهر على خلفية المقالات المنشورة في شهر أيلول/ سبتمبر، بيد إنهما لم يوضعا رهن الاحتجاز على الفور. وقد أخبر محامو الدفاع لجنة حماية الصحفيين بأن المحاكمة لم تف بالمعايير الأساسية للمحاكمة العادلة ولا سيما في رفضها السماح للدفاع باستدعاء الشهود. وفي الشهر نفسه، أدانت محكمة في الرباط مدير تحرير يومية “الجريدة الأولى” علي أنوزلا والصحفية بشرى الضو بتهمة مماثلة وهي نشر “معلومات كاذبة” على خلفية مقالات إخبارية تناولت الوضع الصحي للملك. وصدرت بحقهما أحكام مع وقف التنفيذ.
وفي أيلول/ سبتمبر، أغلقت الشرطة في الدار البيضاء صحيفة “أخبار اليوم” بعد أن وجهت لها وزارة الداخلية تهمة “الإخلال بالاحترام الواجب للأمير” بسبب نشرها رسماً كاريكتورياً في افتتاحيتها عن “حفل زفاف خاص أقامته العائلة المالكة”. وكان الأمير مولاي إسماعيل ابن عم الملك محمد السادس قد عقد قرانه في ذلك الحفل والذي لقي رغم خصوصيته اهتماماً ملحوظاً بين العامة. وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر، حكمت محكمة في الدار البيضاء على ناشر الصحيفة ورئيس تحريرها توفيق بوعشرين ورسام الكاريكاتير خالد كدار بالحبس مع وقف التنفيذ وبدفع غرامات مالية لعدم إظهار الاحترام للعائلة المالكة. كما أيدت المحكمة أيضاً قرار إغلاق الصحيفة.
يظهر بحث لجنة حماية الصحفيين أن المحاكم المغربية كثيراً ما تُستَخدم لتصفية الحسابات مع الصحفيين الناقدين. وفي التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الصادر في شهر يونيو/ حزيران، أشارت الجمعية إلى أن المحاكم تُستخدم بشكل روتيني لمعاقبة الصحفيين الناقدين وأن المحاكمات المتعلقة بحرية التعبير تكون عادة “غير عادلة وتقف وراءها دوافع سياسية”.
وثمة قضية جسدت التطبيق المختل للعدالة، إذ قُدِّرت الغرامات المقررة على “الجريدة الأولى” بأكثر من 350,000 درهم (43,000 دولار أميركي) في مطلع عام 2009 وذلك على ذمة دعوتين قضائيتين بالتشهير أقامهما خليل الهاشمي الإدريسي مدير النشر في صحيفة “أوجوردوي لوماروك” الناطقة بالفرنسية والموالية للحكومة. فقد اعترض خليل الإدريسي على تغطية “الجريدة الأولى” في عام 2008 لاتهام أحد نسباء العائلة المالكة بإطلاق نار على شرطي مرور. وقد وصفت الصحيفة التي يعمل بها الإدريسي الجريدة الأولى باللاوطنية واللاأخلاقية بسبب تغطيتها للقضية والتي كانت الصحافة لتتجاهلها لولا تلك التغطية. وعندما ردّت الجريدة الأولى قائلةً بإنه “ليس هناك من دروس في الأخلاق تتعلمها” من صحيفة الإدريسي، قام الأخير برفع المسألة إلى المحكمة، مدعياً بأنه والجهاز القضائي قد تعرضا للإهانة. وإضافة إلى الغرامات المالية، صدرت بحق علي أنزولا والكاتب جمال بودومة من صحيفة “الجريدة الأولى” أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ.
وفي العاشر من تموز/ يوليو حجبت أكثر من 20 صحيفة يومية وأسبوعية افتتاحياتها احتجاجاً على قرارات قضائية تفرض على منشورات محلية دفع تعويضات طائلة عن أضرار ناجمة عن التشهير. وفي بيان مصاحب للاحتجاج، ندد الاتحاد المغربي لناشري الصحف بما وصفه “بالتصعيد القضائي الأعمى” ضد الصحف الناقدة.
وشهد شهر حزيران/ يونيو صدور الحكم الأكثر إشانة حينما أمرت محكمة في الدار البيضاء كلاً من صحيفة “المساء” و “الجريدة الأولى” و “الأحداث المغربية” بدفع غرامة مقدارها 100,000 درهم (12,500 دولار أمريكي) ودفع تعويض قيمته مليون درهم (125,200 دولار أمريكي) إلى الزعيم الليبي معمر القذافي، بعد أن رأت المحكمة أن هذه الصحف اليومية المستقلة قد أهانت القذافي في مقالات رأي وجهت انتقادات له. وكانت النيابة العامة المغربية قد رفعت الدعوى بعد استلام احتجاجات من السفارة الليبية في الرباط، حسبما قال محامو الدفاع.
أما صحيفة “لوجورنال إيبدومادير” وهي من أبرز الصحف الناقدة للحكومة فقد تلقت ضربة قضائية قاصمة. فقد أيدت المحكمة العليا بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر، حكماً صادراً في عام 2006 يأمر الأسبوعية بدفع تعويض قدره 3 ملايين درهم (354,000 دولار أمريكي) في قضية تشهير رفعها كلود مونيكيه رئيس المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن الذي يتخذ من بروكسل مقراً له. حيث قال مونيكيه بأن الصحيفة قد شهّرت به عندما نشرت مقالة شككت في استقلالية مركزه. وكان المركز قد أصدر تقريراً عن الصحراء الغربية المتنازع عليها وصفته الصحيفة بإنه يعكس وجهة النظر الرسمية المغربية إلى حد بعيد.