كّلت حادثة اختطاف الكاتب سليم بوخذير التي حدثت في أيلول/سبتمبر تذكيراً رهيباً بانعدام الأمن الذي يواجهه الصحفيون الناقدون في تونس. ويواصل الرئيس زين العابدين بن علي، الذي يحكم منذ عام 1987، إدارة الدولة كدولة بوليسية، على الرغم من صورة الاعتدال التي تعمل الحكومة على ترويجها بنشاط في سائر العالم.
كان بوخذير قد أمضى لتوه ثمانية أشهر في السجن لقيامة بكتابة مقالات ناقدة حول الرئيس بن علي، وقال للجنة حماية الصحفيين إنه اختطف في 20 أيلول/سبتمبر على يد أربعة ضباط شرطة يرتدون الزي المدني بينما كان متوجهاً نحو مقهى للإنترنت في مدينته صفاقس، وهي ثاني أكبر مدينة في تونس. وقال إن الخاطفين أجبروه على ركوب سيارة وأخذوه إلى مركز شرطة بالقرب من الحي القديم في المدينة، ثم نقلوه إلى منطقة منعزلة تبعد حوالي 16 كيلو متر غرب صفاقس. وقال إن عناصر الشرطة “هددوني بأن يحل بي مصير صحفي الإنترنت الليبي ضيف الغزال” الذي تم اختطافه وقتله في عام 2005.
يقدم بوخذير مساهمات صحفية إلى العديد من مواقع الإنترنت الإخبارية التونسية والعربية، وقال إنه يعتقد بأن حادثة الاختطاف حدثت بسبب مقال على الإنترنت وصف فيه زيارة وزيرة الخارجية الإمريكية، كوندوليسا رايس، إلى تونس في 6 أيلول/سبتمبر. وفي ذلك المقال الذي نشر على الموقع الإخباري التونسي “تونس نيوز” وعلى الموقع الإخباري المصري “المصريون”، قال بوخذير إن دعوة رايس للقيام بإصلاحات في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة يجب أن تدفع بن علي إلى القيام بعمل في هذا الاتجاه. ولكن وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة تجاهلت تعليقات الوزيرة رايس.
أفرج عن بوخذير من السجن في 21 تموز/يوليو، وذلك بعد فترة وجيزة من قيام لجنة حماية الصحفيين بإرسال بعثة لتقصي الحقائق إلى تونس، حيث أصدرت دعوة للإفراج عنه. ولاحقا، قامت لجنة حماية الصحفيين بنشر تفاصيل حول الملاحقة القضائية المدفوعة بدوافع سياسية ضد بوخذير، ووصفت المناخ القمعي في البلاد في تقرير خاص بعنوان “الظالم المبتسم”. وقد تم سجن بوخذير استناداً إلى اتهامات بأنه أهان ضابط شرطة ورفض إبراز بطاقة هويته – وهي مزاعم وجدت لجنة حماية الصحفيين وجماعات أخرى أنها ملفقة.
في تموز/يوليو، وافق بن علي أن يكون مرشحاً عن حزبه، التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم، لخوض الانتخابات لفترة رئاسية خامسة في عام 2009. وكما فعل في السابق، أصدر بن علي دعوة غير جادة لوسائل الإعلام لإنهاء الرقابة الذاتية المنتشرة. وأوردت وكالة رويترز عن بن علي قوله في يوم الصحافة العالمي في أيار/مايو، “لقد اعتبرنا دائما أن حرية التعبير هي من حقوق الإنسان الأساسية. نحن نكرر دعوتنا لمضاعفة الجهود … من أجل تنويع وإثراء فضاءات الحوار في وسائل الإعلام المختلفة من أجل ضمان معلومات وطنية متطورة وشجاعة … بعيداً عن جميع أشكال الرقابة الذاتية والرقابة الخارجية”.
إن عدم جدية كلمات بن علي يظهر بصفة متواصلة من خلال السياسات القمعية للحكومة وتصرفاتها المسيئة نحو الصحفيين التونسيين الناقدين القلائل. وفي تقرير “الظالم المبتسم”، أشار جويل كمبانا من لجنة حماية الصحفيين إلى أن قانون الصحافة التونسي يورد نطاقاً واسعاً من القيود على التغطية الصحفية – بما في ذلك حظر صريح على إهانة الرئيس، وإقلاق النظام العام، ونشر “أخبار كاذبة” بحسب التعريف الحكومي الغامض لهذا المفهوم. وتتعرض الصحف الجريئة للمصادرة من قبل الشرطة، كما قامت الحكومة بحجب مواقع الإنترنت الإخبارية والمواقع التابعة لجماعات حقوق الإنسان الدولية، وموقع نشر الفيديو الشهير “يوتيوب”.
وتسيطر السلطات سيطرة مطبقة على ترخيص وسائل البث وتوزيع الإعلانات الحكومية. وخلال العقد الحالي من السنين، وافقت الوكالة الوطنية للإرسال على ترخيص محطة تلفزيونية واحدة وثلاث محطات إذاعية، وجميعها مملوكة لمصالح تجارية مقربة من النظام. ولم تفصح الوكالة أبداً عن معايير قبول الترخيص، كما أن عدة مقدمي طلبات مستقلين لم يتلقوا أي رد من الوكالة. وأظهرت لجنة حماية الصحفيين أن الوكالة التونسية للاتصال الخارجي، التي توزع إعلانات الوكالات الحكومية والشركات العامة، تقوم بمعاقبة وسائل الإعلام الناقدة من خلال حجب الإعلانات عنها. ولم توضح الوكالة ما هي الخطوط الإرشادية التي تتبعها في كيفية توزيع الإعلانات.
وجدت لجنة حماية الصحفيين أن الصحفيين المستقلين، وبعضهم ناشطين أيضا في مجال حقوق الإنسان، يُستهدفون بانتظام بالمضايقات، إذ تتعرض خطوطهم الهاتفية للقطع، كما يتلقون تهديدات من مصادر مجهولة، ويتم التسلل إلى بريدهم الإلكتروني، ويوضعون تحت رقابة الشرطة، كما يحرمون من السفر بحرية.
الصحفي عبدالله زواري الذي كان يعمل في الصحيفة الأسبوعية الإسلامية الفجر التي توقفت عن الصدور، ظل تحت الإقامة الجبرية في مكان يبعد عن مكان سكن زوجته وأطفالة في تونس بمسافة تبلغ 480 كيلومتر. فقد أصدرت محكمة عسكرية في عام 1992 حكما على زواري بالسجن لمدة 11 عاماً إضافة إلى خمس سنوات من “المراقبة الإدارية” بسبب “الانتماء إلى منظمة غير مشروعة” و “التخطيط لتغيير طبيعة الدولة”. وبعد عدة أسابيع من الإفراج عنه في حزيران/يونيو 2002، تم إجباره على الانتقال إلى ضواحي مدينة زرزيس في الجنوب، حيث ظل تحت الرقابة الدائمة للشرطة.
الإعاقات التي تجري منذ فترة طويلة لموقع الإنترنت الإخباري “كلمة”، والمضايقات التي يتعرض لها محررو الموقع، توفر مثالاً جلياً أخراً لأساليب الحكومة. فللمرة الخامسة في تسع سنوات، سعت سهام بنسدرين، التي أسست الموقع، دون نجاح للحصول على موافقة لإصدار نسخة مطبوعة من صحيفة “كلمة” الإلكترونية؛ وفي عام 2008 رفض المسؤولون في وزارة الداخلية استلام الطلب. وعلى الرغم من أن موقع “كلمة” ظل محجوباً في تونس، إلا أن النقد اللاذع للحكومة الذي يطرحه الموقع متوفر ومقروء على نطاق واسع خارج البلاد. وفي آذار/مارس، قام مسؤولو الجمارك في مطار “لا غولييه” بإساءة معاملة بنسدرين وصادروا منها وثائق وأقراص كمبيوتر وهاتف متنقل بينما كانت عائدة من أوروبا بصحبة زوجها، عمر مستيري، وهو مدير تحرير موقع “كلمة”. وفي آب/أغسطس، قام عناصر من شرطة الحدود في مطار قرطاجة الدولي بمنع بنسدرين من الصعود إلى طائرة كانت متوجهة إلى العاصمة النمساوية فيينا. وفي تشرين الأول/أكتوبر، قام مخربون بالتسلل إلى موقع “كلمة” الذي يصدر من خادم إنترنت في فرنسا، وعمدوا إلى إغلاقه وتدمير أرشيف الموقع الذي يحتوي على مواد تجمعت خلال ثماني سنوات. وعندما كتبت المحررة نزيهة رجيبة مقالاً للصحيفة الأسبوعية المعارضة مواطنون عزت فيه عملية التدمير إلى عملاء حكوميين، قامت الحكومة بمصادرة أعداد الصحفية واستدعت نزيهة رجيبة إلى المحكمة للنظر في ملاحقة قضائية محتملة ضدها.
صحيفة مواطنون المرتبطة بالتكتل الديمقراطي للعمل والحريات، وصحيفة الموقف المملوكة من قبل الحزب الديمقراطي التقدمي، يحافظان بصفة متواصلة على سياسة ناقدة في خطهما الصحفي. وقد وجد البحث الذي أجرته لجنة حماية الصحفيين إن كلا الصحيفتين تعرضتا لمضايقات بصفة منتظمة.
وفي آذار/مارس، بدأت نسخ من صحيفة الموقف تختفي من أكشاك بيع الصحف، بعد أن نشرت الصحيفة تغطية صحفية شجاعة حول إساءات لحقوق الإنسان وصفقات مشبوهة تورط فيها رجل أعمال مقرّب من بن علي. ووفقاً للمحرر رشيد خشانة، أورد بائعو صحف أن عملاء أمنيين أخذوا نسخاً كثيرة من الصحيفة خلال أربعة أسابيع في شهري آذار/مارس ونيسان/إبريل. واكتشفت صحيفة الموقف أيضاً أن عدداً كبيراً من نسخ الصحيفة لم يتم توزيعها وظلت في مستودعات شركة التوزيع، “سوتوبرس”. وعلى الرغم من أن شركة “سوتوبرس” أنكرت احتجاز النسخ وعدم توزيعها، إلا أن توزيع صحيفة الموقف الذي يصل عادة إلى 10,000 نسخة شهد انخفاضاً حاداً ووصل إلى 744 نسخة في أحد الأسابيع.
واجهت صحيفة مواطنون أيضا عقبات سياسية واقتصادية. وقال مصطفى بن جعفر،محرر الصحيفة، إن عملاء أمنيين يرتدون ملابس مدنية قابعون خارج المبنى الذي تصدر منه الصحيفة. وقال بن جعفر للجنة حماية الصحفيين “إنهم يظلون هناك 24 ساعة في اليوم، وهذا شكل من أشكال الترهيب للمواطنين العاديين”.
صحافة تسيطر الصحف المؤيدة للحكومة، على التيار السائد فيالصحافة التونسية وعادة ما تقدم تغطية متملقة لبن علي، إذ تمتدحه بوصفه مهندس التغيير وناصر الحرية. وقد وجد تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2007 ان حتى وسائل الإعلام المستقلة شكلياً تتلقى تعليمات من مسؤولين حكوميين كبار، وأن “جميع وسائل الإعلام تخضع لضغوط كبيرة من الحكومة بشأن موضوعات التغطية الصحفية”. وتنشر الصفحات الأولى للصحف يوميا صورة للرئيس بن علي، وتركز الصفحات الداخلية بشدة على الأخبار الاجتماعية والرياضة. أما النقد القليل فعادة ما يتجنب ذكر المسؤولين بالاسم، أو توجيه اللوم إلى السياسات الحكومية. وفي حزيران/يونيو، وبينما كان التونسيون في بلدة الرديف في جنوب البلاد يتظاهرون احتجاجا على البطالة وازدياد تكاليف المعيشة، ركزت الصحفات الأولى للصحف اليومية على الطلاب التونسيين الذين نجحوا في امتحان الثانوية العامة.
وقال لطفي حجي، مراسل قناة “الجزيرة” للجنة حماية الصحفيين، “يمكنك أن تكتب عن الرياضة ما شئت، ولكن القضايا المهمة للمجتمع مثل التظاهرات في مدينة الرديف، فلا يمكن للصحافة أن تكتب أي شيء بشأنها ما عدا ما تريد الحكومة نشره”. وقد امتنعت السلطات عن منح لطفي حجي وثائق اعتماد صحفية رسمية، مما منعه من تغطية الأخبار.
تمتعت حكومة بن علي بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وتعتبر تونس سداً أمام المتطرفين الإسلاميين في شمال إفريقيا، ولذلك فهي شريك موثوق للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، كما أثارت إعجاب الجهات الداعمة لها في الولايات المتحدة بسبب النمو الاقتصادي الذي حققته، ودعمها لحقوق المرأة، والاستقرار السياسي. كما أن العديد ممن يدعمون الحكومة التونسية في الولايات المتحدة هم من أعضاء الكونغرس الأمريكي، وخصوصاً التجمع المعني بالشؤون التونسية في الكونغرس والذي تشكل مؤخراً. وبعد أن أكملت لجنة حماية الصحفيين بعثتها إلى تونس، طالبت مسؤولي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخاذ موقف ضد المضايقات والرقابة التي يتعرض لها الصحفيون المستقلون، والتوضيح لإدارة الرئيس بن علي بأن العلاقات الثنائية تتوقف على احترام حرية الصحافة.