ألقى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي خطابا في 25 تموز (يوليو) خلال الاحتفالات بالذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الجمهورية، وزعم في خطابه إن حكومته “عملت على إثراء بيئة المعلومات والاتصالات ووفرت فرصا للتعبير عن الآراء المختلفة”. كانت تلك لحظة تشبه الظواهر التي وصفها جورج أورويل، إذ شهد ذلك العام تصاعدا في اعتداءات حكومة بن علي ضد الصحفيين المستقلين، إضافة إلى إغلاق العديد من مواقع الإنترنت الإخبارية.
مجموعة مراقبة تونس، وهي تحالف يضم 18 منظمة تنتمي إلى الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير، قالت في نيسان (إبريل) إنها وجدت “تراجعا خطيرا في الظروف المتعلقة بحرية التعبير”، واستشهدت بقائمة من الكتاب الممنوعين من الكتابة، وكتب ومواقع إنترنت ممنوعة من التداول. هذا التحالف الذي تأسس لمراقبة أوضاع حرية التعبير قبل وبعد استضافة تونس للقمة العالمية لمجتمع المعلمات في عام 2005، كان قد طالب كوفي عنان الذي كان حينذك أمينا عاما للأمم المتحدة بالمساعدة على التحقق من أن “الحق بتأسيس وسائل إعلام لا يحتجز لصالح الأفراد والمجموعات التي تتمتع بصلات وثيقة مع الحكومة التونسية”. وأظهرت المجموعة حاجة تونس إلى تأسيس “إجراءات عادلة وشفافة لمنح التراخيص من خلال هيئة تنظيمية مستقلة” وحماية “الحق في إمكانية استخدام مقاهي الإنترنت وتصفح مواقع الإنترنت بحرية”.
مؤسسة “مبادرة الشبكة المفتوحة” (OpenNet Initiative) هي شبكة أكاديمية تدرس قضايا الرقابة في استخدام الإنترنت، ووجدت أن سجل تونس في هذا المجال يضعها ضمن أسوأ الدول التي تقوم بحجب مواقع الإنترنت. وقد أجرت الشبكة دراسة استقصائية دولية صدرت في أيار (مايو) حول أساليب تصفية المعلومات التي تستخدمها الدول، ووجدت الدراسة أن تونس وبورما والصين وإيران وسوريا وفيتنام هي الدول الأشد انهماكا “بحجب المعلومات لدوافع سياسية”.
وفي حالة مثيرة للقلق، مثل أمام المحاكم التونسية في آب (أغسطس)، عمر المستيري، مدير تحرير مجلة “كلمة” التي تصدر على شبكة الإنترنت، وذلك بتهمة التشهير، في دعوى قضائية رفعها محمد بكار، وهو محامي على اتصال وثيق مع السلطات الحكومية. ونشأت القضية عن مقال نشر في أيلول (سبتمبر) 2006 انتقد فيه عمر المستيري قرار عمادة المحامين التونسيين بإزالة العقوبة التي فرضتها على المحامي محمد بكار بسحب ترخيص مزاولة المهنة منه. ولم تشكك النيابة العامة بصحة ما أورده المستيري في مجلة “كلمة” (السلطات التونسية تحجب موقع المجلة)، ولكنها أصرت بأن يكشف المستيري عن مصدر معلوماته. قام بكار في 30 آب (أغسطس) على نحو مفاجئ بسحب دعوته، ولكن في اليوم اللاحق على ذلك قام أشخاص مجهولون بإحراق مكتب عياشي الهمامي وهو محامي في مجال حقوق الإنسان، وكان قد تولى الدفاع عن عمر المستيري.
رحبت لجنة حماية الصحفيين في تموز (يوليو) بالإفراج عن محامي حقوق الإنسان والكاتب محمد عبو، والذي كان قد أمضى 28 شهرا في السجن بسبب نشره مقالا على شبكة الإنترنت انتقد فيه الحكم الاستبدادي للرئيس بن علي. وأظهرت أبحاث لجنة حماية الصحفيين أن عناصر من الشرطة يرتدون ملابس مدنية قاموا بمضايقة زوجة محمد عبو وأطفاله طوال فترة اعتقاله. وقد أصدر الرئيس بن علي قرارا يمنح محمد عبو إضافة إلى 21 سجين سياسي آخرسراحا شرطيا، وذلك كجزء من احتفالات البلاد بالذكرى الخمسين لتأسيس الجمهورية. وقالت الحكومة إن السجناء الذين أفرجت عنهم سيعادون إلى السجن لإتمام فترة محكوميتهم فيما إذا ارتكبوا مخالفات جديدة.
القانون التونسي لا يقيد تحركات السجناء الذين يعفى عنهم، ولكن الشرطة التونسية أعادت محمد عبو عندما وصل إلى مطار قرطاج في تونس العاصمة في 24 آب (أغسطس)، ومنعته من المشاركة في برنامج تلفزيوني حول حرية التعبير كان سيعقد في مكاتب قناة “الجزيرة” في لندن. كما تم منعه في 22 تشرين الأول (أكتوبر) من السفر إلى القاهرة لمراقبة محاكمة المحرر الصحفي المصري إبراهيم عيسى نيابة عن مجموعة محلية لحقوق الإنسان.
كذلك تم حرمان صحفيين اثنين من المفرج عنهم من حرية التنقل والحق باكتساب لقمة العيش، وكان أحدهما قد أفرج عنه في عام 2002 والآخر في عام 2006. عبدالله الزواري هو صحفي كان يعمل في صحيفة “الفجر” الأسبوعية الإسلامية التي توقفت عن الصدور، وقد وضع قيد الإقامة الجبرية في منطقة تبعد ما يقارب 480 كيلو متر عن زوجته وأطفاله الذين يعيشون في تونس العاصمة، وقد تم تمديد فترة حكمة بصفة تعسفية لمدة 26 شهرا آخرا. وكانت محكمة عسكرية قد حكمت عليه في عام 1992 بالسجن لمدة 11 عاما وحكم آخر بالإقامة الجبرية لمدة 5 أعوام بسبب “الانتماء إلى منظمة غير مشروعة” و “التخطيط لتغيير نظام الدولة”. وبعد عدة أسابيع من إطلاق سراحه في عام 2002، تم اعتقاله من جديد وأجبر على الاقامة في ضواحي مدينة جرجيس في الجنوب، حيث ظل تحت رقابة لصيقة من الشرطة.
حمدي الجبالي هو محرر صحيفة “الفجر” وأحد الشخصيات البارزة في حركة “النهضة” الإسلامية المحظورة، وهو أيضا موضوع تحت رقابة أمنية دائمة. وقد أمضى جبالي 15 عاما في السجن بسبب قيامه بنشر مقال حول مدى دستورية المحاكم العسكرية، وبتهمة انتمائه إلى منظمة غير مشروعة، وبتهمة “التخطيط لتغيير نظام الدولة”. قال صحفيون محليون وناشطون في مجال حقوق الإنسان إن مراسل قناة “الجزيرة” لطفي حجي، وهو من مؤسسي نقابة الصحفيين التونسيين المستقلة، يخضع لحصار شبه دائم من قوات الأمن. وقالوا إنه تعرض لاعتداءات وتم احتجازه ومنعه من العمل في الصحافة. وفي أيلول (سبتمبر) قام عناصر من الشرطة يرتدون ملابس مدنية بمنعه من الدخول إلى مقر الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في تونس العاصمة، حيث كانت الأمينة العامة للحزب ميا الجريبي، ومدير تحرير مجلة “الموقف” الأسبوعية أحمد نجيب الشابي يقومان بإضراب عن الطعام احتجاجا على الاعتداءات الإدارية والقضائية ضد حرية التعبير وحرية التجمع.
وقال عدة صحفيين إن عناصر من الشرطة قاموا بملاحقتهم والاعتداء عليهم في شوارع تونس العاصمة. وكان بينهم سليم بوخذير، الذي نشر مقالات عن انتهكات حقوق الإنسان وتزايد نفوذ أقارب زين العابدين بن علي على اقتصاد البلاد، مما جعله هدفا مفضلا لعناصر الشرطة الذين يرتدون ملابس مدنية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) قامت السلطات باحتجاز بوخذير بتهمة “الاعتداء على موظف عام أثناء قيامة بواجبه” و “التعدي على الأخلاق الحميدة”. وقد حكم على بوخذير بالسجن لمدة عام واحد بعد محاكمة وصفها المراقبون بأنها مهزلة. اعتدت الشرطة أيضا على لطفي حيدوري من مجلة “كلمة”، وعلى أيمن الرزقي، وهو مراسل صحفي شاب للقناة الفضائية “الحوار التونسي” التي تتخذ من إيطاليا مقرا لها، كما اعتقلت الشرطة مدير القناة الفضائية، طاهر بن حسين، لفترة وجيزة.
ووفقا لنقابة الصحفيين التونسيين، أدت هذه الحملة الشديدة ضد منتقدي الحكومة إلى لجوء ما يزيد عن 100 صحفي إلى المنافي منذ تسلم زين العابدين بن علي السلطة في عام 1987. وكان أحد آخر ضحايا هذه الهجرة القسرية هو محمد فوراتي، الذي كان يكتب لعدة مطبوعات، بما فيها مجلة “الموقف”. وقد استقر في قطر في نهاية عام 2006 وعمل مراسلا لصحفة “الشرق”. وفي 9 آذار (مارس) أصدرت محكمة الاستئناف في مدينة قفصة التي تقع في جنوب البلاد وتبعد عن العاصمة 350 كيلو متر، حكما غيابيا بالسجن لمدة 14 شهرا على محمد فوراتي بتهمة “الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها” و “جمع التبرعات دون ترخيص”، على الرغم من أنه حصل على حكم البراءة مرتين بخصوص هذه الاتهامات. وقد بدأت هذه الملاحقة القضائية بسبب مقالين كتبهما فوراتي قبل سبع سنوات لمجلة “أقلام” التي تنشر على شبكة الإنترنت.
استهدفت الحكومة في اعتداءاتها على الصحافة الصحفيين المستقلين ووسائل الإعلام الخاصة. ففي كانون الثاني (يناير)، كانت مجموعة دار الصباح التابع للقطاع الخاص على وشك إصدار العدد الأول من مجلة جديدة ناطقة بالفرنسية اسمها “لأكسبرسيون”، وحينها تلقت تعليمات من الحكومة بتأجيل إطلاق المجلة حتى إشعار آخر. وقال مدير تحرير المجلة لاحقا إن المجلة ستوفر “معلومات مستقلة، ولكن مسؤولة”. وقد صدر العدد الأول من المجلة في 19 تشرين الأول (أكتوبر).
كانت مجلة “الموقف” التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي، هدفا دائما لاعتداءات السلطة. ففي 1 تشرين الأول (أكتوبر)، أصدرت محكمة تونسية حكما أوجب المجلة إخلاء المقر الذي كانت تستأجره منذ فترة طويلة، وذلك خلال دعوى قضائية اعتبرت على نطاق واسع بأنها انتقام سياسي. وقال محرر المجلة رشيد خشانة، إن عناصر من الأجهزة الأمنية قاموا بمصادرة أعداد المجلة من محلات بيع الصحف ثلاث مرات خلال العام، وكانت إحداها عندما نشرت المجلة مقالا كتبه حمدي الجبالي، ومرة أخرى عندما نشرت خبرا عن مدير مدرسة أدخل المستشفى بعد اعتداء الشرطة عليه، والمرة الثالثة عندما غطت المجلة خبر الإضراب عن الطعام الذي قام به كل من ميا الجريبي وأحمد نجيب الشابي. وكذلك تحدثت مجلة “المواطنون” الأسبوعية التي بدأت الصدور في كانون الثاني (يناير) عن المنتدى الديمقراطي للعمل والحريات، عن تعرضها لمضايقات من الشرطة.
حدثت تلك الاعتداءات على الرغم من زيارات متكررة إلى تونس قام بها مسؤولون أمريكيون وأعضاء في الكونغرس. وقالت الصحفية سهام بنسدرين والصحفية نزيهة رجيبة في رسالة مفتوحة إلى وفد من الكونغرس الأمريكي حضر إلى تونس في أيار (مايو) بقيادة النائب جون تانر، “التنمية في بلدنا كانت ستعجبكم أكثر بكثير لو كان التونسيون مواطنين أحرارا. الأمثلة الأخرى التي تتجلى بالبلدان المتوسطية الأخرى مثل اليونان والبرتغال، والتي مرت في ظروف سياسية شبيهة بالظروف التي يعاني منها التونسيون الآن، تشهد على التحول الهائل الذي يمكن أن يحدث حالما يطرح نير الاستبداد بعيدا”.